دعا العلامة السيّد علي فضل الله إلى تفعيل الحوار داخل الدّائرة الإسلاميَّة، مشدّداً على ضرورة أن ينزل الحوار إلى الشّارع، وأن لا يبقى في الإطار العلمائيّ، مؤكّداً ضرورة رفع الغبن عن الفئات المهمّشة في الواقع الإسلاميّ، حتى لا يتحوَّل ذلك إلى مشاريع فتنة.
بدعوة من كليّة الدراسات الإسلاميّة في جامعة المقاصد، ألقى السيد علي فضل الله محاضرة بعنوان “المسلمون الشّيعة واقع وإشكاليّات” في مبنى الجامعة، بحضور رئيس جمعيّة المقاصد أمين الداعوق، ورئيس الجامعة الدكتور هشام نشابة، والوزير السابق الدكتور خالد قباني، وعميد الجامعة الدكتور أمين فرشوخ، والدكتور رضوان السيّد، وعدد من العلماء وطلاب الدّراسات العليا في الجامعة.
بدايةً، كانت كلمة ترحيبيَّة لعميد الكلية الدكتور أمين فرشوخ بالعلامة السيد فضل الله والحضور، أكَّد فيها أنَّ الهدف من هذه النَّدوات العلميَّة، هو إثراء العقل والفكر لطلاب الدّراسات العليا، وتنمية ثقافتهم. ثم كانت دقيقة صمت على أرواح شهداء تفجيري برج البراجنة.
وألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله كلمة بدأها بشكر جامعة المقاصد على هذه الدَّعوة، مؤكّداً الدّور الريادي للجامعة في العمل الخيريّ والعلميّ الّذي تقوم به في المجتمع اللبنانيّ، لافتاً إلى أن المذاهب في واقعنا الإسلامي أخذت البعد السّياسيّ بعيداً عن طابعها الفكريّ والثقافيّ، حيث أصبح لكلّ مذهب وجهته السياسيّة، الأمر الَّذي أدَّى إلى نشوء الحواجز والمتاريس الّتي تمنع التّلاقي والتّحاور، فأصبحنا نتعامل مع بعضنا البعض كأديان مختلفة، وليس كمذاهب إسلاميّة ضمن الدّائرة الواحدة الّتي تلتقي على الكثير من المشتركات.
وأشار سماحته إلى ضرورة تفعيل الحوار داخل الدائرة الإسلاميّة المتنوّعة، ولا سيّما في هذه المرحلة الصّعبة والمعقّدة، حتّى نستطيع أن نفهم بعضنا البعض جيداً، بعيداً عن الصّور غير الصَّحيحة المكوّنة عن الآخر، داعياً إلى إنشاء مرصد إعلاميّ يرصد ويراقب التطوّرات والإشكالات الّتي تطرح في السّاحة على هذا المذهب أو ذاك، من أجل الردّ عليها أو توضيحها، منعاً من استغلالها ممن لا يريدون خيراً لهذه الأمة.
ولفت إلى ضرورة عدم إبقاء الحوار بين العلماء فحسب، بل توسيعه ليشمل المثقّفين والمفكّرين والأوساط الشّعبيَّة، حتى لا نبقيه في الإطار التنظيريّ والنّخبويّ، بل العمل على إنزاله إلى أرض الواقع.
وتطرَّق سماحته خلال اللقاء إلى نشأة التشيّع والمراحل الّتي مرَّ بها، والتنوّع والاجتهاد داخل هذا المذهب، والقواعد والأسس الَّتي يرتكز عليها في استنباطه للأحكام، مؤكّداً أنَّه من خلال اعتمادنا على البحث العلميّ الدّقيق البعيد عن العصبيّة وانفتاحنا على بعضنا البعض، سنصل إلى نتائج إيجابيَّة قد تساهم في حل الكثير من الخلافات الموجودة، بعيداً عن التّفكير في هذا البلد أو ذاك، وهذه الجهة أو تلك، ويمكن أن نصل إلى الحقيقة الضّائعة عندما نخرج من كلّ هذه التّوتّرات والعصبيّات التي نعيشها، ومن الفهم الخاطئ لبعضنا البعض، ويمكن أن نصل أيضاً إلى قناعات مشتركة حول أمور كثيرة، فلا نريد الوحدة في الإطار الفقهيّ فحسب، بل يمكن أن تكون أيضاً في الإطار السّياسيّ.
وأكَّد أنّنا نمرّ بمرحلة صعبة، وهي من أخطر المراحل وأعقدها، ليس على مستوى المذاهب فحسب، بل على مستوى الدين الإسلامي الذي يتعرض للإساءة ولتشويه قيمه ومحاولات أبعاد الناس عنه.
وأضاف: “مشكلتنا الأساسيَّة أننا لا نعرف كيف ندير خلافاتنا ولا نحسن تنظيمها، ولا بدَّ من صوت حكيمٍ وواعٍ يرتفع في وجه كلّ هذه الأصوات الإلغائيَّة والإقصائيّة الّتي تشتغل على شدّ العصب المذهبيّ وعدم الاعتراف بالآخر والقبول به تحت عناوين كثيرة. وعلينا أن نملك الجرأة لتنقية مذاهبنا من كلّ الشّوائب، فشدّ العصب للمذهب قد يستفاد منه في مرحلة آنيَّة، ولكن ماذا في المراحل اللاحقة؟”.
واعتبر سماحته أنَّ المطلوب هو القيام بعمل وحدويّ مشترك، بعيداً عن كلّ الأجواء السياسيّة المضادة، فالناس تريد الحوار والوحدة بعيداً عن العصبيات والحوارات غير المنتجة، كما يحصل في مواقع التّواصل والفضائيات.
وتساءل سماحته: “إلى متى سيبقى هذا الصّراع مستمراً؟ ألم يحن الوقت حتى نعي مخاطره ونعمل على وقفه رأفة بهذا الدين وبهذه الأمة؟”، مؤكّداً ضرورة رفع الغبن عن كلّ الفئات التي تعتبر أنّها مهمَّشة، لأنَّ التهميش سيتحوّل إلى مشروع تفجير أو مشروع فتنة في المستقبل.
وختم قائلاً: “المطلوب منا جميعاً العمل لإعادة إنتاج الأخلاق الّتي نريدها أن تتحكَّم في كلّ حركتنا، وتركيز القاعدة الَّتي انطلق منها الإمام عليّ(ع): “لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين”، فالمرحلة تحتاج إلى الإطفائيين الواعين المخلصين الّذين يطفئون القلوب والعقول من العصبيات والحساسيّات”.
وبعد عددٍ من المناقشات والمداخلات، قام رئيس الجمعيّة الأستاذ أمين الداعوق، ورئيس الجامعة الدكتور هشام نشابة، والدكتور خالد قباني، بتقديم درع تقديريّة لسماحته كعربون شكر ومحبّة.
المكتب الإعلاميّ لسماحة العلامة السيّد علي فضل الله
التّاريخ: 12 صفر 1437هـ الموافق: 24 ت2 2015م