ابراهيم ناصرالدين
لماذا لم تمر الاطلالة التلفزيونية الاخيرة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مرور «الكرام» في أروقة القرار السعودي؟ ولماذا تضع الرياض «يدها» على «قلبها» مع كل اعلان عن ظهور اعلامي للسيد؟ وما هي خلفيات هذا الرد المطول والعالي النبرة لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري ؟ اسئلة تطرح نفسها بقوة في ظل ادعاءات سابقة من المملكة ولفائها بان مكانتها لا تهتز بفعل «حملات» «مغرضة»؟
اوساط بارزة في 8آذار تشير الى ان السبب غير المباشر هو حالة «الضيق» في المملكة العربية السعودية، بعد ان وصلت «عاصفة الحزم» الى مفترق طرق الخيارات الصعبة، فبعد نحو اسبوعين من العدوان على الشعب اليمني بدأت تتضح معالم خطأ التورط عسكريًا باليمن، وتلوح في الافق بوادر حرب استنزاف كان يجب أن تغرق فيها إيران في المنطقة وليس دول الخليج، لكن وفي مطلع العام الخامس لمحاولة القيادة السعودية قلب التوازنات في المنطقة انطلاقا من سوريا، تورطت الرياض بحرب لا تعرف كيف ستنهيها..
فمن اتخذ القرار في السعودية بالحرب تضيف الاوساط وضع لها «خريطة طريق» تقوم على تغيير المعادلة عبر الغارات الجوية بهدف تعطيل سلاح الجو الحوثي، ودعم «رجال الشرعية» بالسلاح، شريطة ألا تجر دول التحالف إلى عملية استنزاف، وما خطط له عملية جراحية دقيقة، وموجعة، لكي لا تتكرر التجربة المكلفة في سوريا، والسرعة المطلوبة هدفها ايضا عدم تتكرار التباينات بمواقف الحلفاء في المنطقة، لكن المعطيات على الأرض تتغير وبسرعة، وتقويم المخاطر اختلف تمامًا، فالحلف العريض بدأ يتلاشى، وعنوان الحفاظ على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي انتهى واقعيا، بعد ان انفض عن الرئيس كل من كان يعول عليهم لمسك الارض، وهذا كان جليا في قراراته الاخيرة من الرياض بعزل قيادات عسكرية اصيبت بنوبات طويلة من الضحك لدى سماعها «الخبر»، ولم يعد امام السعودية من خيار الا الاستجابة للوساطات الاقليمية التي تتنازع عليها تركيا وسلطنة عمان، او الاستمرار في الحرب الجوية العبثية، او الدخول في حرب برية ستتحول وفقا لكل قواعد التاريخ والمنطق العسكري الى «مستنقع»، والحوار الذي يقبل به الحوثيون اليوم، لن يقبلوا به غدا، خصوصا اذا ما تطور الوضع الميداني وانتقل الجيش اليمني وانصار الله من الخطة الدفاعية الى الهجوم.
وفي هذا السياق، جاء كلام السيد نصرالله الاكثر ايلاما للسعوديين، والاكثر ازعاجا للرئيس الحريري، فوفقالاوساط ديبلوماسية عربية، لا تريد القيادة السعودية ان يتحول السيد نصرالله الى القائد الفعلي لادارة الحرب ضدهم في اليمن، فهم يعرفون جيدا قدرته على قيادة الحرب النفسية والاعلامية، فاسرائيل الاكثر تطورا والمدعومة «باسطول» اعلامي محلي وعربي ودولي، فشلت في وقف الانهيار المعنوي للاسرائيليين عقب كل اطلالة متلفزة لقائد المقاومة خلال حرب تموز، واليوم تدرك الرياض اهمية كلام السيد نصرالله وقدرته على التاثير في الرأي العام العربي، وهي تحاول اليوم من خلال تسخير حلفائها اللبنانيين في الحملة المضادة الى وضع حد «لحربه» الاعلامية والنفسية المؤثرة، «والرسالة» السعودية عنوانها اعطيناك حوارا مع تيار المستقبل في لبنان، فدعنا وشأننا في اليمن»!.
والمعضلة الرئيسية لدى المملكة تتمثل في نجاح السيد نصرالله بكسر«هيبتها» ، فما يقوم به ترى فيه تجاوزا «للخطوط الحمراء» التي كانت قد عملت طوال سنوت ماضية على تثبيتها، وهي تدرك الان ان ما يقوم به السيد نصرالله خطير للغاية بالنسبة اليها فهو نجح في كسر «حاجز الصمت» الذي كانت تتوارى خلفه ومن خلاله حافظت على صورة خارجية لدولة «حكيمة» طويلة البال تتعامل بحنكة ديبلوماسية ولا تمارس العدوان على احد، وفجأة خرج رجل ذات مصداقية عالية عن صمته ليعريها امام الرأي العام، ويقول الامور باسمائها دون الاخذ بأي من الضوابط التي كانت تشكل في السابق حائلا دون الكشف عن الدور «السيىء» الذي تقوم به المملكة في المنطقة والعالم.
ولان السيد نصرالله لا يخاطر ابدا في مسالة المصداقية، تاخذ الدوائر السعودية تقويماته لحرب اليمن على محمل الجد، رغم كل ما يقال عكس ذلك في الاعلام، وفي مقابلته الاخيرة مع الاخبارية السورية، وضع خارطة طريق لمسار المعركة وكاشف القيادة السعودية صراحة عما ينتظرها اذا ما استمرت في حربها، ووضع امامها السيناريوهات المبنية على المعطيات وليس على التحليل، ومن بيده الحل والربط في المملكة يعرف جيدا ان الملف اليمني محل متابعة وثيقة عند السيد نصرالله، وثمة قناعة تامة هناك بان مختلف الملفات العربية ذات الصلة بالاهتمامات الايرانية تمر عبر ممر اجباري في «حارة حريك»، وثمة قناعة اخرى تفيد بان عبدالملك الحوثي دخل الى ايران من «بوابة» حزب الله وليس العكس، وانطلاقا من هذه القناعات فان الضيق السعودي بدا يتحول الى قلق جدي خوفا من تحول هذه السيناريوهات الى وقائع، وهذا يعني عمليا ان المقبل من الايام سيكون مليئا بالمفاجآت في سيناريو يعيد الى الاذهان ما تعرض له الاسرائيليون في حرب تموز، وما لا تريده المملكة هو ان تكون في مواجهة يكون السيد نصرالله طرفا مباشرا فيها.
من هنا تقول اوساط 8 آذار، بان استخدام «تلفزيون لبنان» كمنصة من قبل الرئيس سعد الحريري لانتقاد السيد نصرالله، ليس سوى «ذر للرماد» في العيون، فاذا كان التلفزيون الرسمي قام سابقا بنقل «شتائم» الحريري وقوى 14 آذار لسوريا، فهو عليه ايضا ان ينقل انتقادات الفريق الاخر للسعودية، ودون ذلك لا حلول وسط، الا وقف السياسة على المحطة الرسمية «غير المحضورة»، ولولا «سخط» السفير السعودي لما كان احد قد التفت الى قيامها بنقل المقابلة.
اما الاصل في رد الحريري فهو عود على «بدء» خطة العمل الاعلامية التي اقرت برعاية سعودية بعد حرب 2006 لتوهين النصر الذي حققه حزب الله من خلال التصويب على شخصية السيد نصرالله و«تهشيم» صورته امام الرأي العربي واللبناني، وهذا ما ستحمله الايام والاسابيع المقبلة بعد ان اعطى الحريري اشارة الانطلاق مجددا لهذه الحملة التي «نفض الغبار» عنها مجددا، ومن المتوقع ان يسمع اللبنانيون مجددا «حفلة من الشتائم» المعتادة بحق السيد نصرالله والتي خفتت قبل حرب اليمن.
وتوقفت تلك الاوساط باهتمام عند قول الحريري أن «الصمت في هذا المجال غير جائز وغير مبرر، سواء بحجة الالتزام بمقتضيات الحوار الذي أردناه ونريده بكل أمانة واخلاص، أو بحجة تقديم المصلحة الوطنية على أي مصالح خارجية، خصوصاً عندما نجد في المقابل من يمعن في تعريض تلك المصلحة لمخاطر يومية، ومن يعمل ليل نهار على ربط لبنان بكل نزاعات المنطقة»، ورات انه يلعب «بالنار» وتساءلت عما اذا كان يمهد للتنصل من هذا الحوار من خلال ربطه بتوقف «حملة» حزب الله على المملكة؟
اما محاولة نكء «الجراح» واللعب على وتر الصراع في الثمانينات بين حركة «أمل» و«حزب الله»، فترى فيه تلك الاوساط «خبث» في غير محله ودليل افلاس سياسي واخلاقي، لكن الاكثر خطورة في كلام الحريري يكمن في «غمزه» من «قناة» «مصالح لبنان وابنائه» لتبرير دفاعه عن السعودية وفي كلامه هذا «تهديد» سعودي مبطن لمئات اللبنانيين الشيعة العاملين على اراضيها، ويمكن القول ان «رسالة» الحريري قد وصلت. أما حزب الله فيدرك الجميع انه لا يقبل المساومة ولا يمارس سياسة «البيع والشراء» على مبادئه وكل «الرسائل» المباشرة وغير المباشرة لن تجدي نفعا، والمواجهة مستمرة مع السعودية التي ترتكب الجريمة تلو الاخرى بحق شعوب المنطقة.
المصدر: شارل أيوب