الهويّة الشخصيّة
ولد سماحة العلامة المرجع الفقيه المجدّد، السيّد محمّد حسين فضل الله، في النجف الأشرف (العراق) في 19 شعبان 1354 هـ، الموافق 16/ت2/1935م
والده العالم الربّانيّ الفقيه السيّد عبد الرؤوف فضل الله
والدته الحاجّة رؤوفة بزّي، كريمة الحاج حسن بزّي، وشقيقة السياسيّ علي بزّي
تزوّج السيّد فضل الله من السيّدة الفاضلة نجاة نور الدين، ابنة الفقيه السيّد نور الدين نور الدين
للسيّد فضل الله من زوجته 12 ولداً: 8 ذكور توفّي أحدهم بسبب مرض أصابه منذ طفولته، و4 إناث
يرجع نسبه إلى الإمام الحسن السبط(ع)، وينتمي إلى عائلة فضل الله المعروفة بالفكر والأدب
غادر النّجف نهائيّاً في العام 1966م، بعدما أمضى فيها ثلاثة عقود من عمره في الدّرس والتدريس والعطاء الفكري والأدبي والحركي المتميّز، واستمرّ في عطائه وجهاده في لبنان حتّى توفّاه الله في 4 تمّوز 2010م، الموافق لـ 22 رجب الأصب 1431هـ، إثر مرض عضال أصابه في الكبد، مواسياً بذلك جدّه الإمام الحسن(ع)
المسيرة العلميّة
الدّراسة والنّبوغ
تعلّم السيّد القراءة والكتابة في الكتاتيب، ثمّ انتقل منها إلى مدرسةٍ حديثةٍ تابعة لجمعيّة منتدى النشر، حيث انتسب إلى الصفّ الثالث ابتدائي في مدرسة نموذجيّة، ثم توقّف عن الدّراسة فيها في الصفّ الرّابع، وانخرط تماماً في الدّراسة الدينيّة في إطار الحوزة العلميّة، في ما بين سنّ التاسعة والعاشرة.
بدأ دراسة المقدّمات والسّطوح على والده، وفي سنّ السادسة عشرة تقريباً، بدأ بحضور دروس الخارج في الفقه والأصول على يد كبار أساتذة الحوزة آنذاك؛ أمثال: المرجع السّيد أبي القاسم الخوئي، المرجع السيّد محسن الحكيم، والسّيد محمود الشاهرودي، والشيخ حسين الحلّي، وحضر درس الأسفار عند الملاّ صدرا البادكوبي.
حاول السيّد فضل الله استغلال كلّ وقته في التّحصيل العلمي، ولذلك لم يكتفِ بالدروس التي كانت مقصد عموم الطلاب آنذاك، بل حاول أن ينوّع حضوره العلميّ عبر:
الحضور لدى بعض العلماء في الدروس التي كانت تُعقد أيّام العطل، فحضر عند الشيخ عبّاس الرميثي، وكان يتميّز بذوقه الفقهي، وعند المحقّق البجنوردي، صاحب كتاب القواعد الفقهيّة، وعند آخرين، عندما كان يُسافر خارج النجف والعراق.
عقد مباحثات منفردة في بعض الكتب الفقهيّة والأصوليّة التي لا تدرّس ضمن البرنامج الحوزوي، أو الصادرة حديثاً، ما مكّنه من الاطّلاع على كثير من المباحث بشكل أوسع ممّا يقدّم في إطار الدرس الرسميّ أو العامّ. وعلى سبيل المثال، ذكر السيّد فضل الله مرّةً أمام بعض تلامذته، أنّه كان يُذاكر في أيّام الدراسة كتاب أجود التقريرات مع قريبه السيّد محمد سعيد الحكيم.
حضور المذاكرات العلميّة التي كانت تعقد في سهرات ليلة العطلة، والّتي كان يتمّ فيها طرح المسائل العلميّة، ويدور النقاش العلميّ حولها بما يستفزّ الفكر في لحظات تُبرز التقدّم أو الضعف العلمي، ويذكر الكثيرون أنّ السيّد فضل الله كان من البارزين فيها على مستوى استحضاره المطالب العلميّة والردّ على إشكالاتها؛ بل قيل عنه إنّه كان نجم المذاكرات العلميّة.
مواقف لافتة
الشهيد السيد محمد باقر الصدر، يثبت للسيد الخوئي أنّ في العرب فضلاء من الناحية العلميّة من خلال عرض تقرير السيّد فضل الله لأحد أبحاث السيّد الخوئي(ره).
ذُكر أنّه تمّت الاستعانة بالسيّد فضل الله في بعض البحوث حين إعداد الجزء الأوّل من كتاب محاضرات في أصول الفقه، وهو بقلم الشيخ إسحاق الفيّاض، ويتناول بحوث السيد الخوئي(ره) الأصوليّة.
حاول بعض العلماء ضمّه إلى درسه، والإشارة إليه بذلك، نظراً إلى صيته العلميّ.
الشّهيد السيّد محمد باقر الصّدر يعبّر عن أنّ كلّ من خرج من النجف خسر النجف، إلا السيّد فضل الله، فعندما خرج من النجف خسره النجف.
والده يعبّر لأخيه السيّد محمّد علي، أنّ السيّد متفوّق بدرجات كبيرة على كثير من أقرانه.
الفقيه السيّد نور الدين نور الدين يعبّر لأحد أولاده حين تقدّم السيّد لطلب يد ابنته، وله من العمر 22 سنة، أنّ السيّد من الفضلاء.
أرجع إليه والده المقدّس السيّد عبد الرؤوف فضل الله في بعض المسائل التي كان يحتاط فيها السيّد الخوئي(ره) وجوبيّاً، ككشف وجه المرأة في السّتر الشّرعي، وطهارة الكتابيّ، وكان هذا في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.
الرّؤية الشّاملة
بقي السيّد فضل الله يعيش حالة التلمّذ الدائم في ساحات العلم والمجتمع، متعمّقاً في قراءة الواقع بكلّ جوانبه، حتّى امتلك رؤيةً شاملةً مكّنته من استيعاب مفردات العلم والحياة والربط بينها بطريقة مبدعة، وقد تحدّث السيّد فضل الله عن تجربته العلميّة بقوله:
إنّني أعيش التلمّذ الدائم على الحياة كما أتلمّذ على الكتب، وعلى الأساتذة. كنت أقرأ الفقه في الحياة، باعتبار أنّ الفقه هو التّشريع الذي يتحرّك من أجل تنظيم شؤون الناس، ومن أجل استقامة درب الحياة: {يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}[الأنفال: 24]. وكنت أقرأ العقيدة في التأمّلات العقليّة من خلال قراءتي للقرآن، وكنت أقرأ الحياة على أساس ارتباط ظواهرها الحركيّة مع بعضها البعض، فكنت لا أقرأ الجانب الاجتماعي بعيداً عن الجانب السياسيّ، ولا أقرأ الجوانب السياسية والاجتماعيّة بعيداً عن الجانب الاقتصادي؛ وهكذا لا أقرأ الحاضر بعيداً عن الجانب التاريخي وعن تطلّعات المستقبل. لذلك لم أعش التجزيئيّة التي تجعل الإنسان ينفصل عن الجوانب الأخرى عندما يستغرق في جانب معيّن.. كنت أحاول أن أدخل الحياة بكلّ حيويّتها، وبكلّ جوانبها، لأجد الخطّ الرابط بين هذا الجانب وذاك الجانب…
المدرّس الدائم
لم يتوقّف السيّد فضل الله يوماً عن التدريس، باعتباره ضروريّاً للتنمية العلميّة بقدر ما هو حاجة للطلاّب. يقول السيّد في هذا المجال:
إنّي كنتُ في النجف مدرّساً للسطوح العالية، وكان الناس ينظرون إليّ نظرة الشخص الذي يملك الثقافة الفقهيّة والأصوليّة العالية، بالمستوى الذي كان فيه يدرّس (المكاسب) و(الرسائل) و(الكفاية)؛ حتّى إنّ السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر(ره) طلب منّي تقرير بحثي للسيّد الخوئي(ره) ليُطلع عليه السيّد الخوئي، ليعرف أنّ في العرب فضلاء؛ لأنّ السيد الخوئي كان لا يعتقد أنّ في العرب فضلاء ـ كما ذكر لي السيّد الشهيد ـ. وقد تناقل الناس عن السيد الشهيد كلمةً لم أسمعها منه ـ لأنّها كانت بعد خروجي من النجف : إنّ من يخرج من النجف يفقد النجف، ولكنّ السيّد فضل الله بخروجه خسرته النّجف.. وأستطيع أن أقول إنّني عندما كنتُ في النّجف، كنت أخطو نحو الاجتهاد.
ثمّ أسَّستُ حوزةً علميّة من أوّل سنة جئت فيها إلى لبنان، وكنتُ أدرّس الرّسائل والمكاسب والكفاية، وأجود التّقريرات للسيّد الخوئي(ره) مع حاشيته، كما كنت أدرّس بداية المجتهد ونهاية المقتصد الّذي هو كتاب استدلاليّ مختصر لابن رشد القرطبي في مذاهب السنَّة، ثمّ درّست بحث الخارج منذ أكثر من خمس وعشرين سنةً، ولا أزال أقوم بتدريس الخارج فقهاً وأصولاً لمدّة قريبة، ثمّ فقهاً فقط منذ سنتين وأكثر، وأنا لا أزال أدرّس الفقه في البحث الخارج في لبنان في مدى أربعة أيّام، وفي سوريا في مدى يومين، ويحضره الكثيرون.
إنّني أعتبر أنّني، في نشاطي العلميّ الفقهيّ الأصوليّ الاجتهاديّ، أكثر ممّا فيه الآخرون، في النّجف أو في قمّ؛ لأنّه ليس عندي وقت فراغ، وليس عندي وقت راحة.. البعض يعيشون الاسترخاء الّذي لا أفهمه، ويعطون أنفسهم الكثير من الرّاحة الّتي لا أفهم.
إنّ حياتي كلّها عمل؛ قراءة دائمة، وتدريس دائم، ومذاكرة دائمة، وحوار دائم، فأنا أعيش حياتي مع الكتاب، ومع الدّرس، ومع المسجد، ليس عندي حياة اجتماعيّة بالطّريقة الّتي تأكل وقت الإنسان.
لذلك، لا أدري ما هو حجم إنتاجي، ولكنّي أعتقد أنّني من النّاس الّذين يعيشون الإحساس بالزَّمن؛ فأنا أحسّ بكلّ دقيقة من الدّقائق التي تمرّ عليّ، أن أملأها فكراً، أو كتابة، أو مشروعاً، أو حركةً.
ولأنّ المعرفة لا تختزل في جانبٍ دون آخر، فقد وسّع السيّد فضل الله، منذ أن كان في النّجف الأشرف، دائرته المعرفيَّة، لتستوعب شؤوناً فكريّة واجتماعيّة وسياسيّة وأدبيّة؛ لذا لم يقتصر اهتمام السيّد الثقافي على البرنامج الرسمي للحوزة، أي الفقه والأصول، فكان يحضر الدّروس المتنوّعة خارج الفقه والأصول، كالتفسير والفلسفة وغيرهما. كما انفتح على الفكر والأدب العربيّ المعاصر عبر مجلّة المصوّر المصريّة، ومجلّة الرّسالة (لحسن الزيّات)، ومجلّة الكاتب المصري (طه حسين)، وبعض المجلات اللّبنانيّة الّتي كانت تصل إلى النّجف بين وقتٍ وآخر، وكذلك الصّحف العراقيّة، وانفتح على الفكر الغربيّ عبر التّرجمات المتاحة آنذاك لمفكّرين غربيّين في مختلف قضايا الفكر؛ وهذا ما أمّن للسيِّد أفقاً واسعاً في فهم روح العصر، والتّعاطي معه على هذا الأساس.
أصدر السيِّد مع ابن خالته السيّد مهدي الحكيم مجلّة الأدب الخطّيّة، وكانت توزّع بحسب الاشتراكات، وقد تولّى السيّد كتابتها بخطّه.
الإصدارات الفقهيَّة
صدر لسماحته أبحاث فقهيَّة عديدة، وهي:
كتاب الجهاد، تقرير نجله السيّد علي فضل الله
رسالة في الرّضاع، تقرير الشيخ محمّد أديب قبيسي
فقه القضاء (جزءان)، تقرير الشيخ حسين الخشن
فقه الحجّ (جزءان)، تقرير الشيخ جهاد عبد الهادي فرحات
كتاب النكاح (جزءان)، تقرير الشيخ جعفر الشاخوري البحراني
فقه الإجارة، تقرير السيّد محمّد الحسيني
فقه الشركة، تقرير السيّد محمّد الحسيني
فقه المواريث والفرائض (جزءان)، تقرير الشيخ خنجر حميّة
القرعة والاستخارة
اليمين والعهد والنذر فقه الطلاق، تقرير الشيخ محمّد أديب قبيسي
الأطعمة والأشربة، تقرير الشيخ محمد أديب قبيسي
الصيد والذباحة، تقرير الشيخ محمد أديب قبيسي
البلوغ، تقرير نجله السيّد جعفر فضل الله
الحاجب اللاصق، تقرير نجله السيّد جعفر فضل الله
ثمار البحر، تقرير الشيخ حسين الخش
هذا مضافاً إلى مئات الأبحاث المبثوثة في أشرطة التّسجيل الصّوتيّ في الفقه والأصول، وقد كان بعضها قيد الإنجاز في حياته(ره)، ويجري العمل على استكمالها؛ وأهمّها:
البراءة والاشتغال
فقه الصّوم
المضاربة
فقه التّجارة
مسائل متفرّقة (مخطوط)
وقد تميَّز السيّد(ره) بمنهجه الاجتهاديّ النّابع من ذوقه العرفيّ من جهة، ومن إحاطته بالقرآن والتّفسير من جهةٍ أخرى، ومن حسّه الأدبيّ من جهةٍ ثالثة، إضافةً إلى ممارسةٍ اجتهاديَّة طويلة في مختلف أبواب الفقه، ما جعل الكثيرين يعتبرونه من الفقهاء المجدّدين الّذين سيبدو أثرهم واضحاً في المنهجيّة الاجتهاديّة؛ بل وفي فهم الدّين عموماً.