الإسلام والغرب

واصف عواضة
تاريخ المقال: 10-01-2015 01:40 AM
قبل نحو عشرين عاما، وبالتحديد في كانون الأول عام 1995، استضافت جامعة واشنطن في العاصمة الاميركية، الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في محاضرة حول «علاقة الإسلام والغرب»، نظمها مندوب الجامعة العربية السابق في واشنطن كلوفيس مقصود، وحضرها أكثر من أربعين استاذا في الجامعة، ونحو ثلاثمائة طالب. ونظرا لأهمية كلام شمس الدين في ذلك الحين اعتمدت المحاضرة واحدة من الوثائق التاريخية في الجامعة المذكورة.
مما قاله الإمام شمس الدين يومها «إن علاقة الغرب بالاسلام كانت دائما علاقة الاستيلاء والسيطرة. فليس في العقل الغربي ما يفسح المجال أمام علاقة الرفيق والزميل، بل علاقة السيد والعبد، حتى اذا أراد الآخر أن يتماثل بالغرب ويتعاطى معه من موقع المساواة، فإن الغرب لا يقبل به (…)».
وقيل للشيخ شمس الدين يومها إن هناك أصولية إسلامية تعتمد العنف في خطابها مع الغرب، فكيف يمكن للغرب أن يثق بالإسلام؟
أجاب: «الإسلام لا تمثله الحركات المسماة أصولية. انا وأمثالي نمثل القاعدة الاسلامية ولا نمثل الشذوذ. فإذا كان الغرب مصرا على اعتبار الإسلام متمثلا بالأصولية، فإنه يكون غير راغب بالدخول في حالة حوار (لتحقيق التفاهم والاتفاق). وأخشى أن تكون مصلحة الغرب في أن يفهم الاسلام بالصورة التي يسميها أصولية ومتطرفة. إن من واجب الغرب أن يدرس الحركات الأصولية جيدا، ليكتشف أسباب نشأتها وتطورها وتعاطيها الراهن مع الغرب. وأستطيع أن أقول إن الحركات الأصولية والمتطرفة نشأت نتيجة طبيعية ورد فعل على حالة الاستحواذ والاستيلاء التي يمثلها الغرب تاريخيا. وإن مقدمات الحوار تقع على عاتق الغرب، وأولى هذه المقدمات التخلي عن عقلية السيطرة والاستيلاء».
تحضرنا هذه الواقعة اليوم مع الهجوم الذي تعرّضت له صحيفة «شارلي ايبدو» الفرنسية في قلب باريس قبل أيام، وأدى الى مجزرة بحق العاملين في الصحيفة على يد متطرفين اسلاميين. فقد مضى عشرون عاما على كلام الشيخ شمس الدين، حصلت خلالها تطورات جسيمة من حروب وأحداث ومفاهيم. فلا الغرب بدّل من عقليته في سبيل علاقات سليمة مع الإسلام، ولا الحركات الاسلامية الأصولية والمتطرفة اندثرت أو تلاشت أو لانت عريكتها، بل على العكس قويت شوكتها واشتد عودها وكبر حجمها واتسعت مساحتها،الى أن أصبحت «دولة الخلافة» على يد «داعش» وأخواته حقيقة ملموسة، وانضم الى صفوفها مسلمون من كل دول الغرب، وبينها فرنسا على وجه التحديد.
لم يبدّل الغرب عقلية السيطرة والاستيلاء والاستحواذ، بل أكثر من ذلك أسهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في دعم وتقوية الحركات الأصولية وتمتين عودها بحجة محاربة الأنظمة الاستبدادية في المنطقة ونشر الديموقراطية، في وقت علت أصوات محذرة من ارتداد هذه الهجمة المتطرفة على دول الغرب، ولكن من دون جدوى.
ليس الوقت طبعا للشماتة بالغرب. فما حصل في باريس جريمة موصوفة بحق أبرياء لا يبررها عقل ولا دين، على الرغم من الاساءة للرسول محمد في طيات الصحف الغربية. لكن المسلمين العقلاء ينظرون الى هذه الأفعال على قاعدة «من ساواك بنفسه ما ظلمك»، وهم يشهدون ما تفعله الحركات المتطرفة بالمسلمين أنفسهم، من ليبيا الى مصر ولبنان وسوريا والعراق واليمن وسائر بلاد المسلمين.
رحم الله الإمام شمس الدين الذي دق ناقوس الخطر قبل عشرين عاما من قلب عاصمة الغرب واشنطن، ولكن يبدو أن «لا حياة لمن تنادي».

المصدر: السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …