شنت إسرائيل خمس حروب كبيرة على لبنان وعشرات الحروب الصغيرة خلال نصف قرن من الزمان. اجتاحت الأراضي اللبنانية مرتين في العامين 1978 و1982. دخلت ثاني عاصمة عربية بعد القدس. احتلت قسماً كبيراً من جنوب لبنان على مدى اثنين وعشرين عاما. أقامت حزاماً أمنياً على الحدود وزرعت فيه كياناً عميلاً أعمل في الناس قمعاً وإذلالاً وتقتيلاً.
كان الهدف الأساسي من وراء ذلك كله الحؤول دون تحويل الحدود اللبنانية الفلسطينية الى جبهة مقاومة لا تخضع للانضباط السائد على الحدود العربية الأخرى مع الكيان الصهيوني، والتي كانت تنعم بالهدوء نتيجة التفاهمات أو الاتفاقات التي أعقبت حرب تشرين في العام 1973، وأبرزها اتفاقيتا «كامب ديفيد» و «وادي عربة» مع مصر والأردن.
سعت اسرائيل جهدها للحؤول دون نشوء جبهات مقاومة على حدودها، إضافة الى الجبهة اللبنانية التي أخفقت في تحويلها الى جبهة مسالمة، على الرغم من الهدوء النسبي الذي تنعم به منذ حرب تموز 2006. ولم يفلح انسحابها من غزة في درء المخاطر المتأتية من القطاع، فكانت حروبها على غزة بمثابة جبهة مقاومة ثانية على حدوده الجنوبية.
لم تنجح المفاوضات مع سوريا في تحويل جبهة الجولان الى جبهة مسالمة بموجب اتفاق سلام كما حصل مع مصر والأردن. استشعرت اسرائيل باكراً مخاطر الحرب الدائرة في سوريا منذ أربع سنوات. زاد من هواجسها أن هذه الحرب أفرزت محوراً مقاوماً مربع الأضلاع، قوامه سوريا وايران و «حزب الله» وبعض الفصائل الفلسطينية.
أحست اسرائيل أن جبهة الجولان بدأت تتدحرج نحو التحول الى جبهة مقاومة متصلة بالجبهة اللبنانية، وتمتد من الناقورة الى القنيطرة الى الحدود الأردنية. شاهدت بأم العين مسلحي المعارضة السورية يتمددون شيئاً فشيئاً من درعا الى القنيطرة، في وقت كان الجيش السوري منشغلاً بالدفاع عن دمشق. كانت المفارقة أن اسرائيل بدل أن تمنع هؤلاء من التمدد للمحافظة على «الستاتيكو» القائم على هذه الجبهة منذ العام 1973، راحت تدعم هؤلاء المسلحين، تارة بالقصف البري والجوي لمواقع الجيش السوري، وطوراً بتقديم الدعم اللوجستي لهم على أنواعه. اتضح بما لا يقبل الشك أن اسرائيل تفكر بإقامة «حزام أمني» على تخوم الجولان، تماماً كما فعلت في جنوب لبنان، بدءاً من سعد حداد وانتهاء بأنطوان لحد، للحؤول دون تحويل المنطقة الى جبهة مقاومة.
أمام كل ما تقدم، يمكن أن نفهم لماذا أقدمت اسرائيل على عدوانها الأخير على رجال «حزب الله» وايران في منطقة القنيطرة، ما أدى الى سقوط الشهداء السبعة. وأمام كل ما تقدم يمكن أن نفهم أيضا ماذا كان يفعل المقاومون في تلك المنطقة. المعادلة بسيطة: ممنوع اسرائيلياً تحويل جبهة الجولان الى جبهة مقاومة، وممنوع في الوقت نفسه في استراتيجية محور المقاومة إنشاء حزام أمني جديد على الحدود السورية.
وعلى أساس هذه المعادلة يمكن فهم طبيعة الصراع الذي قد يجر الى حرب شاملة بغير زمانها ومكانها. ومن هنا يمكن فهم طبيعة الرد الذي سيقدم عليه «حزب الله»، وهو رد ليس محصوراً بالحزب وحده، بل بمحور المقاومة كاملاً. فليس أسهل على الحزب من القيام بعملية محدودة داخل الكيان الاسرائيلي تقتل عدداً من الجنود الصهاينة، تماماً كما فعل بعد حادثة عدلون الأخيرة. إلا أن المسألة تتجاوز هذا المفهوم الانفعالي، الى ما هو أعمق وأشمل. وقد يكون الرد الأمثل، في إزالة نواة الحزام الأمني القائم على حدود الجولان، وهو رد أكثر إيلاماً وأبلغ رسالة لإسرائيل وقادتها المقبلين على انتخابات ساخنة.
المصدر: السفير