قاسم س. قاسم
يصرّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على زيارته «الرعوية» إلى فلسطين المحتلة، فيما ينتظر فلسطينيو مخيم ضبية القريب من بكركي مثل هذه الزيارة منذ زمن. يريد الراعي لقاء رعيته، وجهاً لوجه، وهو الذي سبق أن استخدم نظام المؤتمرات في لقاء الشبيبة المارونية في الناصرة، في 15 شباط 2013.
عشية ذكرى اندحار العدو الاسرائيلي مهزوماً من الجنوب، في 25 ايار الجاري، يغادر الكاردينال لبنان متوجهاً الى الاردن، في طريقه الى الاراضي المحتلة. سيدخل البطريرك الى الاراضي الفلسطينية المحتلة مع الوفد المكلف باستقبال البابا فرانسيس عبر جسر اللنبي، وسيمر عبر حاجز لجيش العدو الاسرائيلي. في العادة، يعاني الفلسطينيون والوافدون الى الضفة الغربية مع عناصر هذا الحاجز تحديداً، بسبب اجراءات الاحتلال التعسفية. لكن، وبما ان البطريرك يحمل جواز سفر فاتيكانياً، فإن مروره سيكون سهلاً. في الضفة الغربية، يلتقي الراعي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي ينتظره مع «ابناء شعبنا الفلسطيني على أحر الشوق»، كما قال عباس في رسالة حملها السفير الفلسطيني في لبنان اشرف دبور الى بكركي. بعد لقائه «أبو مازن» يتوجه البطريرك الى القدس الشرقية، حيث كنيسة القيامة، وسيكون «المحتل مسؤولاً عن أمن البطريرك»، كما قال أحد المطارنة لـ «الأخبار». قد تبدو الجملة صادمة، إلا أن المتحدث يبررها بأن «الكنيسة لم تطلب (من العدو) تأمين الحماية للراعي. ولكن من المفترض ان يكون المحتل مسؤولاً عن كل شيء».
اذاً، تحت اعين المحتل وحمايته، سيصلي الراعي في الكنيسة، وتحت سمعه ايضا سيقول «اننا موجودون في الاراضي المقدسة قبل وجود اسرائيل (…) وان القدس مدينتنا ولديّ رعية هناك»، كما قال من مطار بيروت بعد عودته من فرنسا الاسبوع الماضي.
لا يقتصر الطابع الرعوي للزيارة على مسيحيي القدس، إذ أن البطريرك سيلتقي «ابناء الجالية اللبنانية» في الاراضي المحتلة عام 1948، في حيفا وعكا. وسيصلّي في قريتي اقرث وكفربرعم. والأخيرة تروي جزءاً من التغريبة الفلسطينية، فقد كانت منطقة عسكرية لفرقة «هشومر هتسعير»، وهجرها اهلها الفلسطينيون الموارنة عام 1948 ضمن عملية «حيرام». لم يترك ابناء كفربرعم قريتهم كليا، وفضلوا البقاء في البراري على امل العودة الى بيوتهم. على «تلة المبكى»، التي سميت تيمناً بهم، وقفوا عام 1949 ليروا طائرات العدو تدكّ بيوتهم، تاركةً كنيسة ومدرسة فقط. اما اقرث، التي تقع بالقرب من عكا، فقد دمرت كلياً وابقى العدو على كنيستها. واقيمت على ارض القرية عام 1948 مستعمرة «شومرا»، ثم مستعمرة «غورن» عام 1950، ومستعمرة «إيفن مناحم» عام 1960.
وقد اعلنت مطرانية حيفا، في لقاء صحافي عقدته امس، ان «الزيارة ليست سياسية. بل إن أبناء الكنيسة المارونية يستعدون لاستقبال رئيس الكنيسة الذي سيزور البلاد مع سائر البطاركة الشرقيين لاستقبال البابا». وأوضحت أن «الراعي سيزور قريتي كفر برعم والمنصورة المارونيتين المهجرتين منذ عام 1948 (من دون ذكر من هجر هم!)، وسيقيم قداساً احتفالياً وسط حشد من الكهنة وأبناء قرية برعم في كنيسة القرية المهجرة». كما «سيلتقي خلال زيارته مع اللبنانيين التابعين لجيش لحد، المبعدين (اختياريا) إلى إسرائيل منذ العام 2000، وسيقيم قداساً في حيفا ويزور أبناء الرعية في قرية الجش في الجليل الأعلى، ويشارك في حوار ديني في قرية عسفيا». هذه التنقلات «الرعوية» التي سيقوم بها الراعي، ستكون بمرافقة «الفرقة الدرزية وليس اليهودية في الجيش الاسرائيلي»، كما تحاول ان تعمم اوساط الكنيسة.
وفي لبنان، انقسمت الاراء الفلسطينية، كما اللبنانية، حول زيارة الراعي. اذ ان مسؤولي فصائل منظمة التحرير رحبوا بزيارة البطريرك بينما اعتبرها مسؤولو فصائل التحالف تطبيعاً مع العدو. ويرفض مسؤول في حركة حماس هذه الزيارة معتبراً ان «من يدخل الى الضفة الغربية لا بد ان يزور الاراضي المحتلة عام 1948». ويؤكد الرجل على وجود «فتوى تحرّم زيارة القدس تحت الاحتلال». هذه النظرية يرفضها مسؤول في حركة فتح، ويقول ان «الزيارة تثبّت المقدسيين في ارضهم، وتساعدهم على مواجهة الحصار الاقتصادي الذي يعيشه هؤلاء جراء تهويد القدس الشرقية».
مصادر مقربة من حزب الله: الزيارة تساوي اسرائيل بسوريا
قال مقربون من حزب الله لـ «الأخبار» ان زيارة البطريرك بشارة الراعي الى فلسطين المحتلة «ستساهم في اضفاء شرعية على الكيان الصهيوني، وسيستغلها الاسرائيلي في الترويج لنفسه، على انه متسامح دينياً، وأن الكاردينال الماروني اللبناني زار اسرائيل من دون مضايقات». وترى المصادر أن «اعطاء طابع رعوي للزيارة يساوي اسرائيل بدولتين عربيتين، سوريا والاردن، اللتين اعطى الراعي زيارته اليهما طابعاً رعوياً ايضاً».
الى ذلك، أكد الراعي خلال لقائه مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، اول من امس، مضيه في الزيارة. وذكرت مصادر أن المفتي أبلغ البطريرك انه «لا يوجد رأي اسلامي موحد في ما يتعلق بمثل هذه الزيارات». وأضافت ان «المفتي لم يبد رأيه في الزيارة، الا انه اسرّ الى مقربين منه ان الراعي رجل مسؤول وسيتحمل تبعات هذه الزيارة لاحقاً».
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر | QassemsQassem@