الحسد بين العلماء

قد يتفاجأ البعض بوجود حسد وتنافر بين العلماء، أو على الأقلّ بين البعض منهم، كي لا نظلم الآخرين، وهذا ما يدعو إلى الاشمئزاز والنّفور من هؤلاء الَّذين يركضون وراء أهوائهم، ويتركون أثراً سلبياً في واقع العلماء ككلّ، وبين النّاس أيضاً.
والمشكلة أن يتغلغل الحسد في قلوب البعض ونفوسهم، وعندها لن يستطيع العلم وحده أن يطهّرهم من هذه الشّرور الّتي تذهب أجورهم، وتجعلهم محطّ سخط الله تعالى، وتزيدهم بعداً عنه، فعندما تتحوّل الأمور بين العلماء إلى سباقٍ على تلبية أنانيّاتهم وخدمة ذاتيّاتهم، يصبح علمهم بلا تأثير وقيمة، لأنّهم يحبسونه في زنانين هذه الذاتيّات والأهواء، وهي دائرة ضيّقة لا تتوافق مع روح الإسلام في جعل قلب الإنسان وعقله مفتوحاً على سعة المعرفة والكون والوجود، وجعله يمارس الأخلاق في قوله وعمله وأحاسيسه بما يضعه على جادة الحقّ.
فساحة الإسلام هي الكون كلّه على سعته، وساحة الإنسان كلّه، فلماذا التّحاسد؟! فالساحة تتّسع لجهود الجميع، وتستقرّ بعطاءات الجميع، ولا تتحمّل التّنافر والتّباغض والحسد، وبخاصّة بين من يقدّمون أنفسهم للناس على أساس أنهم علماء، فيؤذون الحياة بأفعالهم الّتي تخالف أقوالهم أحياناً.
إنَّ الإنسان يستطيع أن يتنافس مع الآخرين منافسة شريفة عاديَّة، بأن يأخذ بأسباب النجاح والتفوّق والقوّة، مع احترامه لمكانة الآخرين وفضلهم، ومن دون إثارة الحساسيَّات عبر الحسد والنّفور، ومحاولة محاصرة الآخرين وإسقاطهم، فهذا ليس من الإسلام في شيء.
وحول مشكلة الحسد، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): “… المشكلة هي أنَّ العلم لا يطهِّر حياة الإنسان وسلوكه إذا لم تقترن به تربية أخلاقيَّة تضع أقدام الإنسان على الخطّ المستقيم… والحقيقة هي أننا عندما ننفتح على الإسلام والإنسان والحياة كلّها، فلن يكون هناك حسد، وإلا فمن أين يأتي الحسد؟ إنه يأتي من أنَّ شخصاً ما صاحب فضيلة معيّنة وأنت تخاف أن يختصّ بها، فتريد أن تنتقل إليك تلك الفضيلة أو هذا الموقع.. فعدم الثقة بالله وعدم التّفكير فيه، بل والتفكير في الذّات والدّوائر الضيّقة، هو الّذي يبعث الناس على الحسد، وهناك بعض النّاس يتربّون على الاعتراف بالآخر والانفتاح عليه وعدم الخوف منه، فالحسد يدلّ على حالة ضعف في الإنسان، وإلا فالإنسان القويّ هو الّذي يقول: أنا أستطيع أن أكون أفضل من فلان، مع احتفاظ بما لفلان من فضيلة”.]كتاب النّدوة: ج 5، ص 590، 591[.
كلّ التّمنّيات أن تخلو ساحاتنا، وبخاصّة السّاحة العلميّة، من التّحاسد والتّنافر، لما في ذلك من خدمةٍ للواقع والإنسان، وإثراء للحياة، ومساهمة في استقرارها وتوازنها. فليعمل الجميع على تطهير قلوبهم والسَّير في خطِّ الإسلام الأصيل.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.
محمد عبدالله فضل الله
١٤/٣/٢٠١٦ / 5 جمادى الثانية 1437هـ
موقع بينات

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …