سامي كليب
العرض العسكري لـ«حزب الله» في «القصير» السورية جاء بالتنسيق الكامل مع القيادة السورية، لا بل مع الرئيس السوري بشار الأسد نفسه. وبغض النظر عن رسائل العرض الموجهة الى إسرائيل بعد «عنتريات» بنيامين نتنياهو أثناء استقباله رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف ضد ايران و «حزب الله» وتأكيده أن هدفه منع ترسيخ دورهما في سوريا، وقطع الطريق على زيادة تسليح الحزب، فإن رسالة «القصير» كانت موجهة الى الداخل السوري في لحظة حاسمة من تاريخ الحرب السورية في الشمال وغيره. هي رسالة يراد لها الإيحاء بـ «نصر حتمي « كما يقول العارفون، وبرفع المعنويات الى ذروتها، حتى و «ولو تأخر هذا النصر قليلا».
ما عادت الحدود اللبنانية السورية معضلة. السيد حسن نصرالله قال مرارا إن الحزب بات قوة إقليمية.
القيادة السورية بدورها لا ترى في شخص نصرالله إلا القائد «الذي لم ولن ينجب الشرق رجلاً بإخلاصه لسوريا وحلفائه ولا بقوة بأسه وصلابته». الأسد نفسه لا يوفر فرصة إلا ويتحدث فيها عن «امتزاج دم المقاومة اللبنانية بدم الجيش العربي السوري، وهذا دين كبير لهم علينا».
لا يقتصر الأمر في الواقع على الأسد ونصرالله، وانما صار لبنان، بقيادة العماد ميشال عون أيضا هو الخاصرة التي يمكن أن يدخل منها «أوكسيجين كثير» في المرحلة المقبلة الى الجسد السوري. وسوف تشهد العلاقات في المرحلة المقبلة ما يُترجم ذلك عمليا على أرض الواقع.
حين زار المبعوث الرئاسي السوري منصور عزام برفقة السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي الرئيس عون بعيد انتخابه، سمع الوفد السوري من الرئيس اللبناني شرحاً مطولاً لثوابت العلاقة التي ترسخت في خلال السنوات الخمس الماضية. سمع أيضا «كلاماً من القلب» عن شعوره حيال سوريا وقيادتها، وسمع تذكيراً برحلته المهمة الى حلب قبل الحرب، حيث كان يسمع من الأسد نفسه آنذاك رغبته في الإصلاح وإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تلحظ قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع. تخلل اللقاء أيضا شرحٌ من عون كيف أنه كل ليلة، قبل توليه الرئاسة وبعده، ومنذ اليوم الأول للحرب السورية، يتابع بدقة ما يجري على الأرض ويفرد الخرائط أمامه ليعرف كيف يتطور الزلزال السوري في حلب ويتوقع مآلاته. لم يوفر عون شيئا إلا وقاله عن علمانية سوريا وتنوعها وحمايتها للأقليات. هو يريدها أن تعود قوية وموحدة ومستقلة ولن يتردد في التعاون وفتح الخطوط.
حين قال منصور عزام لعون، وهو خارج من اللقاء «نتمنى أن نراك قريبا في سوريا». سارع الرئيس للجواب: «بكل تأكيد سيحصل هذا».
قبل ليلة واحدة من انتخابه، كان الرئيس اللبناني قد استقبل، بعيداً عن الأضواء، السفير السوري الذي نقل رسالة ود وتقدير وتثمين بالفوز من القيادة السورية. ثم تم تأمين الاتصال بين الأسد وعون حيث كان في الحديث لغة لا يتحدثها إلا من شعر بأنه حليف وصديق وحريص. هي لغة تشبه أيضا ما سمعه الوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية محمد جواد ظريف من الرئيس اللبناني الذي كان انتخابه بالنسبة لمحور المقاومة «أول خطوة في سياق التحولات الكبرى في المنطقة» كما يقول مسؤول كبير من هذا المحور.
اللافت للنظر، أن ظريف الذي اعتقد كثيرون أنه جاء يُخبر محادثيه بما جرى على المستوى الإقليمي والدولي في سياق تسهيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية، تبين أنه جاء يسمع من السيد نصرالله ومن حضر من أعضاء مجلس شورى الحزب كيف استطاعوا هم وحلفاؤهم إنجاز هذه التسوية. هي تسوية لا شك ساهمت كثيرا في انتخاب عون، إلا أنها لا تلزم الحزب مطلقاً بما التزم به الرئيس مع القوات اللبنانية أو مع رئيس الحكومة سعد الحريري. فانتخاب عون شيء وكل الباقي شيء آخر.
لكن السؤال المطروح حاليا: كيف لحزب يقول هو وحلفاؤه إنهم انتصروا في لبنان عبر التمسك بترشيح عون وفرضه على الجميع، أن يقبل بمناصب وزارية هامشية أو أن يجالس خصومه على طاولة الحكومة بعدما سلّموا راية المشاورات الى الرئيس نبيه بري؟
الجواب المنطقي، هو أن الحزب صار جزءا من منظومة استراتيجية إقليمية ودولية كبيرة. أهدافه أكبر من وزير هنا ومنصب هناك. الهدف الأبرز حاليا هو دعم الجيش السوري حتى استعادة كل الأراضي السورية بقيادة الأسد نفسه وليس أي شخص آخر. لن تكون معركة حلب هي نهاية المطاف، وانما ستكمل الخريطة المؤقتة لاستعادة المدن الكبرى لما تسمى «سوريا المفيدة»، وبعدها لا عودة عن استكمال الحرب حتى استعادة آخر شبر. والهدف الآخر هو كسر شوكة خصوم هذا المحور، خصوصا في الإقليم، وهذا يكون في العراق واليمن وغيرهما.
صحيح أن ظريف حين زار نصرالله كان واثقا من فوز ترامب. وصحيح أيضا أن الإحصائيات الدقيقة التي توفرت لدى القيادتين الإيرانية والسورية كانت تشير الى احتمال فوز المرشح الجمهوري، لكن إيران قبل أشهر كانت تستعد هي وروسيا والجيش السوري و «حزب الله» لكل الاحتمالات، بما فيها احتمال الحرب التي قد تفرضها هيلاري كلينتون. لذلك جرى الحديث عن إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا في مرحلة معينة على أساس أن الرئيس حسن روحاني لن يكون رئيس مواجهة.
أما وقد فاز ترامب (الذي لم يقدم «حزب الله» بعد تقييما كاملا حول سياسته وأهدافه)، وبعث قبل انتخابه وبعده برسائل مطمئنة حيال الحرب السورية، فيبدو أن المرحلة المقبلة تصب في خانة تحليلات محور المقاومة لجهة تدعيم أي حل سياسي مقبل بتغيير كل المعادلة على الأرض… هذا سيحصل في حلب وبعدها في جبهات أخرى.
ليس مهماً اذاً ماذا سيربح «حزب الله» الآن في التسويات السياسية اللبنانية، هذا أمر عابر بالنسبة له، الأهم هو ما قد يحصل استراتيجياً، وهذه مسألة خاضعة للكثير من الاحتمالات والعقبات، ذلك أن لائحة الأعداء والخصوم لم تتراجع…
الخط الأحمر الوحيد عند «حزب الله» والقيادة السورية حاليا، هو أن لا يسمحوا لخصومهم في لبنان بأن يحققوا في السياسة ما يعتبرون أنهم خسروه في الحرب، حتى ولو أن الحزب يسهّل التسويات لتلبية حاجات الناس. هنا قد نفهم أكثر أن مسألة الوزارات السيادية ليست قضية عابرة.
يقول أحد مسؤولي محور المقاومة: «هل بعد وزير الخارجية المقاوم عدنان منصور، سنقبل بوزير خارجية من «القوات اللبنانية» مثلا؟».
السفير