الحزب والدولة – جزء ٤

في كتابه الجديد «حزب الله والدولة في لبنان»، يطرح النائب د. حسن فضل الله إشكالية العلاقة التاريخية بين «حزب الله» والدولة منذ النشأة الأولى للحزب في مطلع الثمانينيات حتى الآن.
يحدد الفصل الأوَّل من الكتاب معانيَ الوطن والدولة في الفهم الإسلامي، ويعالج موضوع العلاقة البينيَّة في مجتمع متنوِّع انطلاقًا من إيمان حزب الله بمبدأ ولاية الفقيه. ويستقرئ الفصل الثاني التاريخ الحديث للدولة في لبنان، ومدى انتظام نشأتهــا وعلاقتها بالجماعات التاريخيَّة المشكِّلة للشعب اللبناني.
ويعالج الفصل الثالث إشكاليَّة تلك العلاقة وصولًا إلى نشأة حزب الله ورؤيته لدولة ما قبل «اتفاق الطائف» وما بعده. ويعالج الفصلان الرابع والخامس أداء الدولة نفسها في محطَّات تاريخيَّة كثيرة، ويتناول الفصل السادس حرب تموز 2006، ويقارب الفصل السابع والأخير المرحلة التي تلت تلك الحرب. وجاءت الخلاصات النهائيَّة لتقدِّم ما توصَّل إليه هذا الكتاب من نتائج.
تنشر «السفير» بالتنسيق مع «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر» أجزاء من هذا الكتاب. وتضيء الحلقة الرابعة على الرسائل المتبادلة بين «حزب الله» وفريق «14 آذار» خلال حرب تموز.
إنَّ التدقيق في الطروحات التي قُدّمت خلال المفاوضات لوقف حرب تموز، سواءٌ من جهات خارجيَّة (وفد الأمم المتَّحدة، دول أوروبيَّة، وزيرة الخارجيَّة الأميركيَّة كوندوليزا رايس)، أو محليَّة لبنانيَّة (رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ونقاطه السبع، النائب سعد الحريري)، يبيّن أنَّها كانت تتقاطع، أو منسَّقة، أو موحى بها من مصدر واحد، هو الولايات المتَّحدة والهدف منها، هو إلغاء وجود المقاومة، ومن خلال تحقيق هذا الهدف يتم تغيير الهويَّة السياسيَّة للبنان، ولو عن طريق سيطرة دوليَّة عليه. بمعنى آخر تكرار تجربة الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 لإحداث مثل هذا التحوُّل.
تكرَّرت في تلك الطروحات كلّها، عناوين ثلاثة:
÷ انسحاب حزب اللَّه من جنوب الليطاني.
÷ نشر قوَّة متعدّدة الجنسيَّات في جنوب الليطاني، ومن ثمَّ في شماله، والسيطرة على المعابر الحدوديَّة مع سورية، والمطار والمرفأ.
÷ عودة المهجَّرين لا تتم إلَّا بعد التأكُّد من تنفيذ البندَين الواردَين أعلاه.
وضع جورج بوش الحرب في سياق «الفرصة المتاحة لتغيير أوسع في المنطقة»، ولذلك رفضت إدارته أي بحث في وقف إطلاق النَّار قبل تحقيق أهداف الحرب وحدَّد شروط الحل التي حاول فرضها من خلال تمريرها بلغات لبنانيّة وعربيَّة ودوليَّة، وهي كالآتي:
ـ «تمكين حكومة لبنان من ممارسة سلطاتها الكاملة على أراضيها.
ـ نزع سلاح الميليشيات في لبنان.
ـ وقف تدفق الأسلحة غير القانونيَّة.
ـ انتشار قوات الأمن اللبنانيَّة في جميع أنحاء البلاد.
ـ إرسال قوات متعدّدة الجنسيَّات فاعلة إلى لبنان وبشكل سريع (قبل وقف النَّار).
ـ وجود القوات المتعدّدة هو الذي يسهِّل عودة النازحين» (…).
كان ردُّ حزب الله سريعًا برفض أيّ بحث في فكرة إرسال قوات متعددة الجنسيات، وأبلغ مَن راجعه بهذا الشأن أنَّه سيتعامل مع المتعددة الجنسيات كقوَّة احتلال (كان أول من حمل هذا الاقتراح النائب سعد الحريري وقد أرسله من الخارج بواسطة رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن وسلمه إلى حسين الخليل وقد لقي رفضًا قاطعًا من الحزب).

دولة ما بعد الحرب!

وفي ذروة المعارك تكرَّرت المحاولة، وهذه المرَّة على قاعدة البحث مواربةً في صيغة دولة ما بعد الحرب، فتمَّ طرح نقاط الحل على الشكل الآتي:
÷ «يجب أن تكون القوات الدوليَّة قادرة على ردع إسرائيل خصوصًا إذا انسحبت من مزارع شبعا، وهذا يحتاج إلى تنسيق مع المقاومة، وهذه الفكرة مقبولة وتضمن الاستقرار للمستقبل.
÷ الحصول على ضمانات بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
÷ تسليم السِّلاح وخاصَّة الصواريخ ومنصاتها للجيش اللبناني بعد انتهاء الحرب على أن يبقى الأمر سريًّا، ويمكن الاتفاق على الصّيغة المناسبة ثنائيًّا بمعزل عن قناة التفاوض المعتمدة.
÷ الاستعانة بالقوَّة المتعدّدة الجنسيَّات، ونشرها على الحدود مع سورية، لمنع نقل السِّلاح عبرها إلى لبنان.
÷ الحصول على جواب واضح وصريح حول الموقف من مشروع الدَّولة وحمايتها ودعمها، فهل المقاومة معه؟ أم مع مشروع خارجي؟ وهذا الموقف قبل وقف النَّار وبعده.
÷ صيغة العلاقة مع حزب اللَّه بعد الحرب وحدود التعاون مع فريق سعد الحريري.
÷ اتخاذ موقف واضح من ملف المحكمة الدوليَّة لأنَّ سورية تريد تخريب هذا الأمر وتفيد المعلومات أنَّها تحضّر بعض الاغتيالات في ظل انشغال الأجهزة الأمنيَّة.
كان جواب حزب اللَّه:
ـ «التفاوض حول وقف الحرب يتم حصرًا من خلال الرئيس نبيه بري، فهو القناة المخوَّلة للنقاش مع الحكومة والأميركيين، وهو محل تأييد واحترام من قِبَل حزب اللَّه.
ـ تسليم السّلاح أو الصواريخ أمر غير وارد كليًّا.
ـ لبنان ليس كوسوفو وطرح القوات الرادعة لإسرائيل أو لغيرها، مهما كانت العبارة، لا يمكن أن نقبله، وهو مجازفة كبيرة بالبلد، وهذا الطرح يبعد عن البلد الاستقرار الداخلي والخارجي، وهو مشروع فتنة، وهذا الأمر خارج النقاش، وهو مطلب أميركي/ إسرائيلي. أمَّا الحل فهو بالجيش اللبناني، وهو جيش وطني، كما أنَّ اليونيفيل موجودة.
ـ في موضوع الصواريخ نحن نستخدمها للرد وللدفاع. اذا أوقفت إسرائيل قصف لبنان والمدنيين، يتوقف حزب اللَّه عن الرد بالصواريخ.
ـ سلاح المقاومة شأن داخلي لبناني محض، ويُناقَش على طاولة الحوار من ضمن الاستراتيجيَّة الدفاعيَّة، ولا دخل للمجتمع الدولي فيه، ولا لإسرائيل وأميركا.
ـ رفض مجرد السؤال عن موقف الحزب من مشروع الدَّولة، لأنَّنا الشركاء الحقيقيون. فحزب اللَّه وعلى رأسه سماحة السيد نصر اللَّه اشتغل بقلبه وعقله من أجل حماية مشروع الدَّولة.
ـ موضوع المحكمة ليس للنقاش الآن، لأنَّنا غير قادرين على التفكير بمحكمة دوليَّة، وبعد الحرب لكلّ حادث حديث.
ـ الاستعداد للتعاون الكامل في المرحلة المقبلة كما كانت الحال قبل العدوان» (قدم هذا العرض النائب سعد الحريري عن طريق اللواء وسام الحسن، فأوفده في 29 تموز 2006 للقاء حسين الخليل) (…).

صفا لبيدرسون: نرفض «المتعددة»

ترافق إخفاق التسويق المحلي للمتعدّدة الجنسيَّات مع محاولات لتقديمها بصورة غير مستفزّة عن طريق الأمم المتَّحدة، ولكن مع التدرُّج التنازلي حول طبيعة هذه القوَّة «لأنَّ الإدارة الأميركيَّة تريد قوَّة دوليَّة مستقلَّة في قرارها عن اليونيفيل، ولم يعد الشرط اللَّازم أن تكون هذه القوَّة المشكَّلة بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السَّابع، وهو ما قبل به الأميركيون والإسرائيليون، لكن رئيس الحكومة اللبنانيَّة لا يزال مصرًّا على إصدار القرار تحت الفصل السَّابع، وتشكيل القوَّة الدوليَّة على هذا الأساس. وإن كان تشكيل القوَّة الدوليَّة المستقلَّة عن اليونيفيل متعذّرًا في حال رفض حزب اللَّه، فالمعبر الضروري هو موافقة الحزب على مثل هذا الطرح» (حمل هذا الموقف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون ونقله إلى رئيس لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، وكان الرد برفض أي قوَّة متعدّدة الجنسيَّات).
جرى البحث في الأفكار التي تساعد على إنهاء الحرب، وحفظ المقاومة، وسلامة القرى الحدوديَّة، وحماية أمنها وطمأنينة أهلها. وكان من أبرز هذه الأفكار التي تنسجم مع مطلب المقاومة، (تحمُّل الدَّولة لمسؤوليَّاتها)، انتشار الجيش على خط الحدود، وهو الانتشار الذي كان مدار نقاش بين الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر اللَّه. عُرض الموضوع على شورى حزب اللَّه في إحدى جلساتها في الضاحية خلال الحرب، فوافقت عليه لما يُحقّقه من تلبية حاجة وطنيَّة يسقُط معها موضوع نشر قوَّة متعدّدة الجنسيَّات، لأنَّ مهمَّة الجيش هي حماية لبنان، في مقابل طرح المتعدّدة الجنسيَّات لحماية إسرائيل، وأفضى النقاش بين الرئيس بري وحزب اللَّه إلى الموافقة على هذا الطرح، ولكن مع إبقاء الموضوع سريًّا، وخاضعًا للتفاوض، بحيث لا يتم التفريط سريعًا بمثل هذا القرار.
وضعت شورى حزب اللَّه خلال ذلك الاجتماع شروط الحل الممكنة، ومن بينها التمسُّك بسلطة الدَّولة على أراضيها، ورفض سلطة الدُّوَل. وكان التقييم الأولي لمسار المواجهات العسكريَّة أنَّ الحرب تحتاج إلى بعض الوقت، كي يدرك الجانب الإسرائيلي أنَّه غير قادر على فرض شروطه.
تقرَّر حينها العمل على جبهات ثلاث:
ـ الجبهة العسكريَّة، وتتولَّاها غرفة عمليَّات مركزيَّة، وتتفرَّع منها غرف عمليَّات في كل منطقة، وتتبع للغرفة المركزيَّة غرفة عمليَّات إعلاميَّة.
ـ الجبهة السياسيَّة، وقد حُدّدت فيها الأسقف التي يمكن الوصول إليها، والحد الأدنى المقبول، وتمَّ تفويض رئيس مجلس النواب نبيه بري بإدارة المفاوضات لوقف الحرب .
ـ الجبهة المدنيَّة، وتشمل ما له علاقة بالجوانب الإنسانيَّة، كملفات المهجَّرين والشهداء والجرحى، وأعمال الإغاثة بأنواعها كافَّة، بما فيها الإحصاء الفوري للأضرار في المباني والمنازل.
كانت الجبهة الداخليَّة المفتوحة ضدَّ المقاومة، تتحرَّك على مستويات سياسيَّة وإعلاميَّة داخل الحكومة وخارجها، وتركّز على مجموعة عناوين بينها العمل على تفكيك التحالفات من حول المقاومة، ما يسمح بعزلها تمهيدًا لإنهاء وجودها. وقد جرى التركيز بالدرجة الأولى على التيار الوطني الحر بقيادة العماد ميشال عون حيث تعرَّض لضغوط لبنانيَّة وخارجيَّة لفك تفاهمه مع حزب اللَّه.
ووفق ما أبلغني إياه العماد ميشال عون، فإنَّ السفير الأميركي جيفري فيلتمان ناقش معه بإسهاب موقفه من حزب اللَّه على ضوء اندلاع الحرب، وما الذي سيُقدم عليه، ولماذا لا يحاسب الحزب على ما قام به. ردَّ الجنرال بأنَّ حادث حدود لا يؤدّي عادةً إلى حرب، ولا يؤدّي إلى رد فعل بهذا الشكل إذا لم تكن هناك استعدادات مسبقة، وإلَّا يكون ما تعلَّمناه في الدورة العسكريَّة في الولايات المتحدَّة خطأ، أو أنَّهم كانوا يكذبون علينا في تلك الدورة. وحين ألحَّ فيلتمان بضرورة اتِّخاذ موقف وما الذي سيقوله لحزب اللَّه، ردَّ العماد عون: «الآن وقت الحرب وسنحارب معه».

(غدا الجزء الخامس والأخير وفيه رواية ليلة انقلاب المعادلات في حرب تموز)

كلمات المفتاح: لبنان ، المقاومة الاسلامية ، المفاوضات ، ميشال عون ، اليونيفيل ، الحدود ، حزب الله ، فؤاد السنيورة ، الطائف ، الاغتيالات ، التيار الوطني الحر ، سعد الحريري ، مجتمع

السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …