ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
الخطبة الأولى
في الحديث المعروف عن أمير المؤمنين(ع): بعث رسول الله(ص) سريّة ، فلمَّا رجعوا وأدّوا مهمتهم وجاؤوا إلى رسول الله يهدون له نصرهم، قال لهم: “مَرْحَباً بِقَومٍ قَضُوا الجهادَ الأصْغر وبَقِي عَلَيهِم الجِهادُ الأكْبر، فقِيل: يَا رَسُولَ الله وَمَا الجهَادُ الأكْبر؟” فقال صلوات الله وتسليماته عليه: “أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه”.
وكون الجهاد العسكري جهاداً أصغر، فليس في هذا الوصف أي انتقاص وبأي شكل من الأشكال من أهميته وضرورته. كيف ذلك وهو السبيل لتحقيق حرية الشعوب والأوطان وامتلاك الأمة لقرارها المستقل، بل هو أكثر من ذلك كما يقول علي عليه السلام وهو “باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل”.
ولكن رسول الله أراد وهو صاحب الرسالة المتكاملة أراد أن يضع الأمور في نصابها. فالجهاد مع العدو الخارجي على قساوته والتضحيات التي يتطلبها، هو واضح وجلي في معظم الأحيان: فعدوك له مسميات وصفات وهو مسموع ومشهود، والجهاد ضده، له مسار معروف وأساليبه معروفة، أما المعركة الدائمة مع النفس، تلك التي اقسم بها الله في كتابه {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، معركة لها طبيعة مختلفة، فإن لم يتمكن الانسان من تحرير نفسه من قيود أنانياته، انتقلت شرورها الى المجتمع بأكمله وما المجتمع الا مجموعة أفراد، فإن صلحت انفسهم صلح المجتمع، وان فسدت الأنفس وانهزم الفرد انهزم المجتمع، حتى ان الهزيمة في معركة مجاهدة النفس قد تطيح الجهاد العسكري بطريقة او بأخرى، وهذا ما يفهم من حديث الرسول في المتلازمة التي طرحها: الجهاد والنصر لا يكتملان الا بجهاد أكبر على مستوى النفس والا يمكن لمشكلة الاعتداد بالنجاح أن تودي بالانسان او بالجماعة الى الغرور والقسوة والظلم أحياناً وهذا ما لمسناه على مستوى تجارب إسلاميين وصلوا الى السلطة وبعدها سقطوا في امتحانات العدل والتواضع والقبول والتسامح وغير ذلك.
وهذا ما كان التاريخ قد ذكره في السيرة ايام رسول الله حين تحول انتصار احد الى هزيمة بسبب الطمع وحين تحول انتصار فتح مكة الى هزيمة في معركة حنين يوم أُعجِبَ المسلمون بكثرتهم واغتروا.
المهم واستكمالا للمقاربة التقليدية للأمور، وانطلاقاً من مقارنة رسول الله بين الجهادين الأصغر والأكبر، ندرك تماما وخاصة في زماننا هذا، أن الجهاد العسكري لا يؤتي ثماره الا عبر مأسسته وتنظيمه، ولا يمكن ان يكون عشوائياً، او يقتصر على مبادرات. فالمقاومة العسكرية تقتضي تخصصاً وكفاءة وتعبئة وتسخيراً للصناعات والتكنولوجيا والدعم والعلم بشكل مؤسسي مدروس، ومن ناحية أخرى فإن المأسسة الصحيحة للجهاد العسكري تحمي المجتمع والأمة من انفلات هذا المفهوم فيصبح الجهاد كما نرى اليوم في عالمنا العربي والإسلامي فتوى يطلقها كل من ادعى العلم و نسب نفسه، كيفما اتفق، إلى علم الدين، وحولها إلى نقمة على الأبرياء والمساكين تحت شتى العناوين التي لا تمت الى الجهاد بصلة.
لقد حدد القرآن أهداف الجهاد عندما قال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} وأمر المسلمون أن يكونوا مع الله بعد النصر كما كانوا معه قبله.. وأن يزدادوا تواضعاً وإيماناً وعطاءاً وجهاداً: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}. وحتى عندما وعد بالنصر فهو وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. ولم يكتف بوعد الذين آمنوا مثلا.
فمن كل هذه الجوانب أيها الأحبة تتضح ضرورة مأسسة الجهاد العسكري وهي لا شك ملموسة عند كل من عايش انتصارات المقاومة في واقعنا أو رَصَدها وراقبها من بعيد، وأدرك ان نقطة قوتها هي تلك المأسسة المتكاملة إلى جانب سمو أهدافها.
وفي الجانب الآخر، جانب جهاد النفس، تنبع الإشكالية الأصعب والأكثر أثرا في الواقع، والاشكالية هي أننا ما زلنا نحيل جهاد النفس على النفس بالأدوات نفسها اي الدعاء والصلاة والصيام والقيام وقراءة القران وهذا طبعا أساسي ويشكل رادعاً روحيا للنفس الامارة ويكبح شهواتها. ومن هنا كانت كلمة أمير المؤمنين: “ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها فأنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها فأنتم على غيرها أعجز”.
ولقد جاءت الديانات السماوية لتحقيق كمال الإنسان، وذلك من خلال حثه على تطويع نفسه للإمساك بزمامها والأخذ بقرارها، فالنفس جموح بصاحبها ترديه إن هو تركها لشأنها.. فلهذا كانت العبادات التي أمر بها الله من صلاة وصيام وحج وخمس وزكاة هي لتربية هذه النفس لجعلها تشعر بالقدرة على مواجهة شهواتها، وبالقوة والشجاعة إذا اقتضت الظروف اتخاذ موقف الحق من دون أن تخاف أحداً في الله. وقد حثت الأحاديث الكثيرة على ضرورة خوض المواجهة مع النفس، وتأمين كل شروط النجاح في هذه المواجهة.. فقد ورد في الحديث: “جاهد نفسك على طاعة الله مجاهدة العدو عدوه، وغالبها مغالبة الضد ضده.. فإنّ المؤمن معنيٌّ بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواه”.
وفي الحديث أيضاً: “جاهد نفسك وحاسبها محاسبة الشريك شريكه، وطالبها بحقوق الله مطالبة الخصم خصمه”.
هنا علينا أن نسأل: أتكفي المقاربة الذاتية التي قد تنجح وقد لا تنجح في هذا الجهاد؟ أليس في مجتمعاتنا الكثيرون ممن همهم الأول القيام والصيام من دون أن يستتبع ذلك أي تطور على صعيدهم الشخصي أو على المجتمع؟ بل ونكاد نرى العكس، نراه في شلالات الدم والدمار والتخلف العلمي والفوضى والفساد والتعديات والانانيات والانحرافات في أمة محمد.
ومن هنا نقول أنه كما يجب أن ننظم الجهاد الأصغر لكي نصل إلى النتائج المرجوة من الإعداد والتسلح والانتظام والتدريب، كذلك يجب أن ننظم الجهاد الأكبر من المنطلق نفسه، وهذا مما لا شك فيه أصعب، ولكن أثاره أبعد وأكثر ديمومة. فلنوسّع فهمنا للدين وللجهاد الأكبر أبعد من عبادات ذاتية ومغالبة النفس والشيطان للإبتعاد عن المحارم إلى إطار مجتمعي قابل للتطور والبناء عليه وهكذا يكون في الدين حياة لكل الناس.
ولنعطِ مثالاً لكي نبتعد قليلا عن العموميات ونسأل: أيها أكثر فعالية و أقرب إلى روحية الدين: أن نعظ الناس ألا يتعدّوا على أرزاق غيرهم – ونحن طبعا لا نبرر التعدي على أرزاق الناس عند الحاجة تحت أي عنوان، ولكننا نحاول أن ننظر للمجتمع كمشروع – أو أن نؤمّن عدالة إجتماعية تؤمّن القوت والطبابة والتعليم للجميع؟
وأيها يقارب هدي رسول الله: أن نعظ الشباب أن يكفوا عن الحرام وأن يحصنوا فروجهم بالصيام إن لم يستطيعوا الزواج أو أن نؤمن فرص عمل تكفيهم وتؤمن لهم مساكن يحفظون بها انفسهم وكراماتهم؟
ان الأمثلة على هذا المنوال تطول.
أيها الأحبة علينا، وكل من موقعه، أن نرتقي بفهمنا لهذا الارث والميراث الإسلامي الأصيل أبعد من السطحيات، ولتكن بوصلتنا في كل ذلك علمنا ويقيننا بأن ما أشقى رسول الله به عمره هو رسالة عميقة سامية هدفها إغناء الحياة ككل وصناعة الحياة. واعمار الحياة، وليس وصفات جاهزة معلبة تدخلنا الجنة وتدخل غيرنا النار، ومن هذا المنطلق يجب أن يكون لفهمنا ولتطبيقاتنا أولوية حق الله وحق النفس وأيضا حق المجتمع، أن ننضم جميعاً لحملة الجهاد الأكبر في تزكية النفس وفي السعي والمساهمة لمن استطاع إليها سبيلا في مشاريع تنموية على مستوى المجتمع: مشاريع تزويج ومشاريع بيوت ومشاريع اصلاح وكفاية ومشاريع قروض ميسرة ومهن وفرص عمل، وسد كل الحاجات التي ينفذ منها الشيطان والنفس الامارة بالسوء.
بهذا نمكِّن المجتمع، ونجعله يفوز في جهاده الاكبر، هذا الجهاد الذي باتت كلفته عالية على الفرد وحده وعليه ان يبذل أضعافا من عصمة النفس ومقاومتها فَلِمَ لا نكون عوناً ويصبح هذا الجهاد ممأسساً له موارده وله دراساته وأبحاثه وعلمه لنواجه الفقر ونواجه الفساد ونواجه العوز ونواجه سوء التوزيع والحقوق المضيعة ونقدم الدعم والإرشاد.
إنها مسؤولية وسيوقفنا الله لأجلها: {وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَسؤُولُونَ} فهل تكون الاجابات جاهزة؟
الخطبة الثانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. وحتى نبلغ التقوى، علينا أن نستهدي بهدى الله حين تحدّث عن الأسلوب الَّذي ينبغي التعامل به بعد النّصر، حيث يُخشى دائماً أن يتصرف المنتصرون كطغاة أو متجبّرين، أو أن تستهويهم الدّنيا بعدما تفتح لهم أبوابها، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
وقد عبّر عن ذلك رسول الله(ص) أفضل تعبير، فهو عندما دخل مكّة فاتحاً؛ مكّة التي آذاه أهلها وأخرجوه من أرضه بغير حقّ، لم يدخلها مغتراً بجيشه، ولا راغباً في الثأر من أعدائه، بل دخلها وهو منحني الرأس على فرسه، تواضعاً لربّه، شاكراً له على نعمه، متوجّهاً إلى أهل مكّة بالأمان: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
أيها الأحبة، بهذه الروح يُحفظ الانتصار ويستمر، فيما يتهدّد بحبّ الدنيا والغرور والتكبر والانقسام.
لبنان
والبداية من لبنان، الَّذي تستمرّ معاناة إنسانه في الكهرباء والماء وتفاقم أزمة النفايات، حيث لا حلول تُرتجى لهذه الأزمات، فيما لا يزال الواقع السياسيّ على حاله من الانقسام، ويزداد الخوف من تداعيات ما يجري على الصّعيد الأمنيّ، سواء في المخيمات، أو من خلال عمليات الخطف، أو في الاكتشاف الدائم للشَّبكات الإرهابيّة.
إننا أمام هذا الواقع، نعيد دعوة القوى السياسية مجدداً إلى الارتقاء إلى مستوى تحديات إنسان هذا البلد وخوفه المستمر من المستقبل، والخروج من حساباتها الخاصة والمناطقية والطائفية والمذهبية، والتلاقي فيما بينها للوصول إلى قواسم مشتركة، حيث بات واضحاً أن لا بديل عن الحوار والتوافق في هذا البلد، مهما كابر البعض أو جافى الحقيقة.
وفي الوقت عينه، نستغرب العودة إلى منطق الرابح أو الخاسر في المنطقة، للبناء عليه في الواقع اللبناني الداخليّ، فنحن لا نربح إلا عندما نكون موحّدين، ونحن في خسارة دائمة عندما نتفرّق ونتمزّق.
إنّ من حقّ كل فريق سياسيّ أن يعبّر عن هواجسه ومخاوفه، ولكن عليه، ولا سيما في هذه المرحلة، أن يدرس جيداً الخطاب والأسلوب والمخاطر، وهنا ننبّه إلى خطورة التّجييش الطّائفي الّذي تُستخدم فيه مفردات نراها في غير موقعها، كمصطلح أهل الذمة، في إشارة إلى تعامل المسلمين مع المسيحيّين، أو الإساءة إلى فكرة الدّولة الإسلاميّة، الّتي نرى أنها أسَّست لصيغ تعايش حفظت التنوّع، فيما كانت لغة الإقصاء هي السّائدة في تلك الظّروف التاريخيَّة.
إننا لا نريد أن ندخل في تبيان رقيّ وحضارة المفردات الإسلاميّة التي تُثار حولها السّجالات، لكننا نخشى من أن تؤدي هذه الإثارات إلى إدخال لبنان مجدداً في مرحلة تجاوزها اللبنانيون، وهي مرحلة حرب المصطلحات الدينيّة، الّتي تستعيد الحرب الأهلية التي اندلعت على خلفية غبن المسلمين وخوف المسيحيّين، ولكن بعناوين جديدة.
إنّنا نؤكد حقّ كلّ الفرقاء اللبنانيين، وكل الطوائف، بالتمسّك بحقوقهم كاملة، لأننا نرى في الغبن دائماً مشروع فتنة، ولا بدَّ من أن يأخذ الجميع حقوقهم كاملة غير منقوصة، بعيداً عن طوائفهم ومذاهبهم، بل لحساب إنسانهم.
العراق
وإلى العراق، الّذي نحيي فيه حيوية شعبه، الّذي انطلق بعيداً عن كلّ المسمّيات الطائفيّة أو الحزبيّة، ليطالب بوضع حدٍّ للفساد، وبمعالجة شؤون الناس بعدما تفاقمت هذه الأمور لتضاف إلى مشكلة الإرهاب الَّتي يعانيها هذا الشَّعب، والَّتي بلغت ذروتها مع التفجيرات المروعة الَّتي حدثت في مدينة الصّدر، وقبلها في مدينة ديالى، والَّتي تتصاعد وتيرتها في مرحلةٍ يتزايد فيها الخوف على العراق، وخصوصاً في ظلّ أحاديث دوليَّة وأميركيَّة متكرّرة عن أنَّ التقسيم قد يكون الخيار الوحيد أمام العراقيين.
إنَّنا في الوقت الَّذي نؤكّد أهمية الإصلاحات الَّتي انطلق بها رئيس الوزراء العراقي، وصدّق عليها البرلمان العراقي، والَّتي مثلت استجابة عملية لمطالب الشَّعب العراقيّ، نرى أنَّ متابعة هذا الملف، والإصرار على تنفيذه، على الرغم من العراقيل التي سوف يضعها الفاسدون أمامه، والأثمان التي قد تدفع، هي الأساس في بلوغ الإصلاحات غايتها المنشودة، حيث لم يعد بإمكان العراقيين العيش على الوعود، ولا بدَّ من حلول جذرية لهذا الفساد الذي استشرى في المراحل السابقة ولا يزال مستمراً..
إنَّ أبناء العراق بحاجة ماسة إلى استعادة ثقتهم بالدولة، كمدخل ضروري لاستعادة الأمل بوطنهم، وإشعارهم بمسؤوليَّتهم جميعاً عن حفظه وحمايته، بما يهيئ الأجواء للانخراط الفعليّ في مواجهة هذه الحرب الإرهابية الشرسة…
ذكرى إنتصار 2006
وأخيراً، يستعيد لبنان واللبنانيون في هذا اليوم؛ في الرابع عشر من شهر آب، ذكرى انتصار العام 2006 على جبروت العدو الصهيوني وآلته العسكرية، والَّذي لم يكن ليتحقق لولا تسديد الله وتأييده، وبعد ذلك بفضل سواعد المجاهدين، الذين سطّروا ملاحم البطولة والفداء، وبمؤازرة الجيش اللبناني لهم، وبالاحتضان الذي تحقّق لهم من قِبَل اللبنانيين، وبالصّمود الذي عاشه شعب المقاومة، وبالحكمة التي تجلّت في إدارة المعركة عسكرياً وسياسياً.
لقد استطاع صنّاع هذا الانتصار أن يرفعوا رؤوس اللبنانيين عالياً، وأن يظهروا لبنان كقوة كبرى يُحسب لها ألف حساب، وكنموذج يُقتدى به، فهم لم يكتفوا بمنع العدو من تحقيق أهدافه عند دخوله الحرب، بل هدَّدوا عمق كيانه، وقدَّموا صورة إضافية بعد العام 2000، عن هشاشة هذا العدو، رغم كل القدرات التي يمتلكها، والتغطية التي تأمّنت له.
إنَّ اللبنانيين أحوج ما يكونون إلى استعادة هذه الذكرى، وإحيائها في كل مناطقهم، ليتبصّروا أكثر، وبعيداً عن كل الحسابات الطائفية والمذهبية والإقليمية والدولية، مواقع قوتهم ومدى حيوية إنسانهم، وليحافظوا عليها ولا يفرّطوا فيها، حتى لا تضيع هذه الروح في الحسابات الضيقة أو الزواريب التي يريد البعض إدخالنا فيها.
إنَّ على اللبنانيين أن يكونوا واعين بأنَّ هناك استهدافاً يتعرضون له من قِبَل كل الذين لا يريدون للبنان أن يكون نموذجاً يُحتذى به، من خلال إثارة الفتن والصراعات الداخلية تحت عناوين متعددة تستنزف كل مواقع القوة فيه؛ قوة المقاومة والجيش، وتستنزف إنسان هذا البلد.. ومن هنا، نرى أن السبيل لتثبيت هذا الانتصار والحفاظ عليه، هو تثبيت الأرض، بتعزيز مناخات الوحدة الداخلية، وبكفّ أيادي أولئك الذين يعملون لإثارة الفتن.
ومن هنا، المطلوب تأمين كلّ المتطلبات التي تساعد على صمود الإنسان في أرضه، وعدم إشغاله بحاجاته اليومية..
في ذكرى الانتصار، نتوجّه إلى الله بالدّعاء بالتأييد للمجاهدين ولكلّ موقف وصوت ساهم في تحقيق هذا الانتصار، وبالرَّحمة للشّهداء.
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل اللهج