مفيد سرحال
بين النسبية والدكتاتورية عداوة مستحكمة وصدام وجودي لا هوادة فيه، فالنسبية تهدم صروح البلطجة السلطوية باسم الطائفة فيما الدكتاتورية حاكمة ناهية نافية للمخالف الى مجاهل العدم السياسي، ناهبة لخيرات الحكم بالعدل والقسطاس بين الزعامات الخالدات ولا تتورع عن نسف رأس النسبية في اي سانحة او استحقاق كما ان النسبية تطيح بعلة وجود الرؤوس المسترئسة، فالنفي المتبادل لا بل النعي المتبادل حقيقي وجوهري، والذي شرّع «جهاد النكاح» بين الدكتاتورية والدولة يدرك ان فتاوى النسبية وحدها سبيل الفكاك من هذا الزواج غير الشرعي الذي جرّ الويل وعظائم الامور منذ الاستقلال وطيلة عقود الاستغلال بالحلال، لذا استبعاد النسبية عن اي خطوة اصلاحية وما اقلها لا لشيء الا انها تدك حصون الدكتاتورية دكاً مبيناً وتحول دون ابقاء موسسات الدولة سبايا ومتاعا ومتعة… لذا يرى مرجع سياسي مخضرم ان حظوظ التسوية في شأن رئاسة الجمهورية منذ البداية معدومة لا بل دخلت مرحلة التبخر اولاً لانها كرست منطق الدكتاتورية داخل الطوائف من خلال رفض الشيخ سعد الحريري للنسبية، ما عطّل الدور المأمول من التسوية – المبادرة لتتحول الى منصة اصلاحية علماً ان الوزير فرنجية لا يقبل الدخول في نقاش يعلم سلفاً انه من العسير تسويقه لدى حلفائه لا سيما الثنائي عون – حزب الله.
ويقول المرجع: يجب الاقرار ان محطتين سياستين طبعتا الحياة السياسية في لبنان بطبيعة سياسية حقيقية احدثت حراكاً وجدلاً وتداعيات بعضها سلبي وبعضها الاخر ايجابي وبالاتجاهين المتعاكسين.
المحطة الاول هي القانون الارثوذكسي الذي فعل فعله في الساحة السياسية وفتح اعين المسيحيين على حقوقهم السياسية والدستورية ووجودهم التشاركي لا الاستلحاقي، كما فتح اعين دكتاتوريات الطوائف على اعطابهم ومقتلهم السياسي الكامن في نقل التنافس الى داخل الطوائف على اساس النسبية ما يعني اسقاط منطق التفرد والاستئثار واراحة المغبونين والمقهورين والمهمشين داخل الطوائف وبعث الامل بتحولات مجتمعية وسياسية تؤسس لعلائق سياسية تسقط المنطق الاحادي الزعاماتي التسلطي ويدفع باتجاه شراكة حقيقية بين اقليات واكثريات تعطي البعد الانساني والرسالي للعلاقات بين الطوائف.
وبالتالي الارثوذكسي اسس لثقافة المسيحي القوي بحضوره الشعبي والشريك الفعلي لا الوهمي في التركيبة، اسوة بباقي الطوائف. وهنا لا بد من الاشارة الى ان الدكتور جعجع الذي رفض الارثوذكسي مجاراة لحليفه سعد الحريري عوقب في الشارع الذي انسحب باتجاه الجنرال عون ورفع بشكل ملحوظ من شعبيته بعيداً عن الشوفينية او التعصبية الحادة بل من زاوية حفظ الحق والكرامة.
اما المحطة الثانية في العمل السياسي اللبناني والجديرة بالاهتمام وتنم عن حركة سياسية اسماها البعض مناورة، والبعض الآخر مؤامرة، وآخرون صفقة،وذهب من قال انها صفعة، الا انه وبكل تأكيد لا يمكن ان ننزع عنها صفة الشطارة، وهذا حق مشروع في العمل السياسي واساس اي لعبة تسجيل الاهداف لكن المبادرة بما لها وما عليها جاءت في لحظة سياسية وجد فيها فريق الحريري – جنبلاط فرصة استباقية لتطورات الميدان في سوريا وتقدم الجيش السوري وتحول سوريا الى امن قومي روسي بما تعنيه هذه الكلمة من حرب روسية للفوز والغلبة وتكريس بقاء الرئيس الاسد في السلطة حيث يشعر العديد من القوى السياسية في لبنان بالخيبة والقلق لا بل الهلع من انعكاس المشهد السوري بانجازاته وانتصاراته على لبنان الراكد بين ملفات الاقليم على لائحة الانتظار، لاي انتصار سيتحقق بين طرفي الصراع في المنطقة ليترجم صعودا سياسيا يلغي الستاتيكو القائم على التربص للتملص والانقضاض لتحقيق الربحية القصوى على مستوى السلطة ان لم يكن تغييرات جذرية لفريق 8 آذار اي فكفكة الطائف او تجذير القائم وتكريس فلسفة الطائف التي ترضي المستقبل وحلفاءه المحليين والخارجيين اذا ما مالت الدفة الاقليمية لصالح 14 آذار… فكانت المبادرة التسوية – الحريرية متجاوزة تهمة العمالة للملف السوري – الايراني والذهاب من الربح الاقصى الناتج عن الميدان السوري بالحسم لصالح عون رئاسيا، الى الربح الادنى بترشيح سليمان بك فرنجية او القبول به وهم ايضا كالمستجير من الرمضاء بالنار لان سليمان بك ايضا لن يكون اقل جذرية من حليفه عون في القضايا الاستراتيجية انما بذلك ظنوا انهم احرجوا حزب الله ودكوا اسفينا بين المسيحيين وعطلوا مفاعيل قوة عون الشعبية المنتشرة والمنافسة لكل اقطاب 14 آذار في طول لبنان وعرضه.
هذه من الناحية النظرية فلسفة ترشيح سليمان بك الذي يرى في ترشيحه فرصة اختراقية للجمود الحاصل في البلد ويدرك ايضا بحسه المسيحي الايماني من انه لو ربح كل العالم سيبقى خاسرا من دون حلفائه اي عون وحزب الله وكل الخط العريض الذي ينتهي اليه بمكوناته المتعددة…
ويقول المرجع: المبادرة – التسوية لم تعد صالحة وسقطت الى غير رجعة لاسباب عدة: ان الفريق الاقليمي الراعي لقوى 14 آذار ينزلق الى مزيد من التراجعات بفعل ارتباك عالمية للدول المناهضة لخط المقاومة بعد الضربات التي تلقتها من الارهابيين «هداياهم التي ارجعت اليهم» وهزائم اقليمية متراكمة في العراق، واليمن وسوريا، وبالتالي ما رفض حلف المقاومة في لبنان التنازل عنه في عز استهداف سوريا و«همروجة» التمنيات بسقوط سوريا والمواعيد التي احيت فريق 14 آذار سويعات وادخلت اليأس الى نفوسهم دهرا.
اما على المستوى الداخلي فإن التسوية تشمل «السلة كلها يعني كلها» ويتمسك فريق 8 آذار بكليتها اتكاء ايضا على المتغير الاقليمي، والفرصة كبيرة للعماد عون بتصحيح التمثيل عبر قانون النسبية لان تجاعيد القانون الستيني لا يصلحها الا «عطار النسبية» وايضا لا يمكن ان يركن حزب الله بعد غالي التضحيات والدماء وخيرة الشباب دفاعا عن لبنان كل لبنان ومنعا للارهاب من اصطياد امن اللبنانيين حتى في غرف نومهم الى نظام المحاصصات والسرقات والمفاسد وتبادل المغانم، وبالتالي هناك من يستشهد دفاعا عن كل لبنان وهناك من يستشهد دفاعا عن جنة الحكم وحزب الله لن يترك اجياله القادمة اسيرة هذا النظام الفاسد…
اما تداعيات سقوط التسوية فإصابة استراتيجية وبالعمق لفريق 14 آذار وستكون ارتداداتها كارثية اولا شعور المسيحيين اي الكتائب والقوات رغم الصراخ «نحن هنا» بأنهم زيادة محاسن في 14 آذار وتلوينة «ديكورية» استنفد استخدامها ما سيشكل فسخا للعقد «الاستقلالي السيادي» بين الطرفين واهم من ذلك بقاء العماد عون مرشحا وحيدا للرئاسة، بعدما سقط «التابو» اي العلاقة مع ايران وسوريا، وهذا ما سيلحق خسائر فادحة بالفريق المقابل المحرج بتوصيفات الترشيح بعدما اسقط ابرزها عن خانة سليمان بك فرنجية وليحضر فريق 14 آذار لتنازلات اساسية بعد فشل التسوية من ان لا تسوية من دون النسبية الكاملة لانها البسملة والحمدلة لأي خطاب تسووي ويحتم المرجع: استبعد لقاء بين فرنجية وعون وان حصل لن يضفي شيئا على المشهد لأن العماد عون قرر المواجهة حتى النهاية لايمانه بأن العسكري يقاتل حتى النهاية في ساحة المعركة…
وباختصار: التسوية الفعلية تعني رفض المناورة القائمة وبالتالي التسوية خلصت وفشلت…».