الحرب السوريّة حوّلت حزب الله الى قوة إقليميّة
الأربعاء, 16 نيسان 2014 05:55
الكاتب: ميشال نصر – الديار
حزب الله خلطة تجمع بين عقليّة حرب العصابات وقدرات الجيوش النظاميّة
الحرب السوريّة حوّلته الى قوة إقليميّة توّجتها انتصاراته على الجبهة السوريّة
بين كلام مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان عن ان «النصر» تحقق بجهود سورية محضة، والكلام الايراني عن دور طهران وحلفائها المفصلي في دعم نظام دمشق، يقف حزب الله على الحد الفاصل، كلاعب اساسي في تغيير المعادلات الداخلية السورية وصولا الى تلك الاقليمية منها. فمن القتال ضد اسرائيل على الحدود اللبنانية، الى سوريا حيث يحارب الى جانب قوات النظام، تغيرت استراتيجية الحزب وخطابه السياسي مع تغير مسرح عملياته، حيث اكتسب خبرة ميدانية مختلفة، لكنه ايضا يظهر كقوة اساسية في النزاع تساهم في التدريب وقيادة العمليات العسكرية، بحسب ما يجمع عليه الخبراء.
تجمع التقارير العسكرية والاستخباراتية الغربية، على ان مشاركة حزب الله في الصراع السوري كان لها فائدة هامة للحزب، من حيث مراكمة الخبرات العسكرية، في القيادة والسيطرة على الصعيد العملياتي والتكتيكي، والتحول من منظومة قتالية دفاعية في الدرجة الأولى الى منظومة هجومية تستعين بالطائرات من دون طيار وتستخدم الدبابات وتستفيد من درجة عالية من المعلومات الاستخبارية، محولة جيلا كاملا وجديدا من المجندين الشباب الى قدامى محاربين متمرسين على القتال، تلقوا دروساً قيمة من خلال مشاركتهم القتالية في بيئات عسكرية متعددة كانت ذا قيمة فعلية، حيث اختبروا أساليب متعددة هجومية، ودفاعية، وفق تكتيكات أمنية وعسكرية جديدة ومتغيّرة، مكتسبين خبرات اضافية في جمع المعلومات الاستخباراتية التكتيكية والعملياتية واستخدامها، في بيئات متنوعة من تضاريس، ومناطق جبلية، وبيئة صخرية وبين أراضي شاسعة بدون هضاب في بيئات حضرية وريفية وفق أشكال متغيرة، ما جعل الحزب اهم قوة قتالية تمتلك قدرات ضخمة جاهزة للاستخدام في حال نشوب حرب مع إسرائيل.
وتشير التقارير الى ان حزب الله أبرز قدرات مهمة في الحرب السورية، اذ تم الاعتماد على قواته المكونة في الأساس من قوات المشاة الخفيفة المعدة لتنفيذ المهام الهجومية والدفاعية، وقد تعلمت التعاون مع الجيش النظامي السوري ذي الأسلحة الثقيلة من مدرعات ومدفعية وسلاح جو، متولية أربعة أنواع من المهام العسكرية: تدريب الوحدات السورية النظامية وغير النظامية، تقديم الاستشارات العسكرية، تأمين خطوط الامداد والتموين، وعمليات قتالية مباشرة، حيث يتولى الجيش النظامي السوري عمليات القصف المدفعي تمهيدا لمقاتلي الحزب الذين يقومون بالعمليات البرية المدربين عليها جيدا.
وبحسب المسرب من معلومات فان مقاتلي الحزب يخضعون الى دورة عسكرية موحدة، تسمى دورة «التعبئة»، وهي عبارة عن دورة عسكرية تشمل الأساسيات تدوم 45 يوما – تجرى عادة في معسكرات الحزب في البقاع اللبناني – يوزع بعدها العناصر على وحداتهم، دون اسناد مهام قتالية لهم، بل يكلفون حماية المقرات وحراسة بعض المكاتب. ويجري اختيار أوائل الدفعات في دورات التعبئة، للمشاركة في دورات النخبة، بدءا من دورة «التدخل» التي تستغرق ثمانية أشهر، ينتقل خلالها المقاتلون إلى إيران للمشاركة في مناورات وتدريبات بالذخيرة الحية والأسلحة الثقيلة تكون غالبا قاسية جدا وفي ظروف تشبه ظروف المعركة الحقيقية، تليها دورة أخرى أكثر تقدما، تسمى «دورة الرضوان»، وتدوم هذه الدورة سنتين، ينقطع خلالها المشارك فيها نحو أربعة أشهر متواصلة عن عائلته، قبل عودته إليهما في زيارات سريعة يعود بعدها الى تدريباته الخاصة، وتردد أن الحزب دمج مؤخرا الدورتين في دورة واحدة للإسراع في تخريج مقاتلي النخبة. بالإضافة إلى هذا، يذهب المتخرجون نحو «دورات الاختصاص» التي تشمل الكثير من الاختصاصات كالمسعف والقناص وسلاح «المضاد للدروع» والوحدات الصاروخية والدفاع الجوي، وأخيرا سلاح الهندسة الذي يشمل فنون زرع العبوات.
اذن شكلت الحرب السورية مناسبة هامة لحزب الله لاكتساب خبرات قتالية جديدة. فمقاتلو الحزب اعتادوا سابقاً استراتيجيات عسكرية معينة تقوم على مبدإ الدفاع، لتضيف الحرب السورية إلى مقاتليه آفاقاً جديدة تتمثل في استراتيجيات الهجوم، مطورا قدراته القتالية ومعرفته بأصول العمل الميداني، فبعد ما راكمه من المواجهات مع إسرائيل، أي قتال جيش تقليدي، يضيف اليوم خبرة جديدة في قتال الجماعات المسلحة خارج الجيوش التقليدية.
تقنيات قد يستعين بها الحزب في حال مواجهة مستقبلية مع إسرائيل والتي جعلت الاخيرة تأخذ على محمل الجد التهديدات باقتحام الجليل ونقل المعركة الى داخل اراضيها، وسط اجماع المسؤولون العسكريون الاسرائيليون على إن الخبرة القتالية التي لا تقدر بثمن التي حصل عليها الحزب في سوريا هي محل قلق، «لأنّ أي حرب برية مقبلة ستكون بشعة جداً».
فاسرائيل التي لم تظهر قلقا ازاء مشاركة حزب الله في الحرب السورية، ظلت لأشهر ترى في هذا التورط تطورا يصب في مصلحتها بعدما أصبحت سوريا «فيتنام» حزب الله وايران ومصدر استنزاف له ولدوره الذي يتجاوز الساحة اللبنانية الى الملعب الاقليمي، لتنقلب النظرة الاسرائيلية ازاء ما يجري، مع الواقع المستجد الذي انتجته الحرب السورية، من وجهة نظر الاستخبارات الاسرائيلية، التي صار معها «محور الشر» الممتد من طهران الى حزب لله مرورا بسوريا جبهة واحدة، أعضاؤه ملتزمون تجاه بعضهم بالمشاركة في أي حرب يتعرض لها أو يخوضها أحدهم، على جبهة تمتد من مرتفعات الجولان وصولا الى الناقورة عند البحر.
عليه، فان إسرائيل تستعد منذ فترة طويلة لمواجهة الواقع السوري المتغير في سوريا. على هذا الأساس يلائم الجيش الإسرائيلي عملياته وتدريباته اليوم، ليكون مستعدا لمواجهة «الاستفزازات» والامتناع عن القيام بردود فورية غير مضبوطة تكون موجهة للعنوان غير الصحيح وعدم الوقوع في الفخ الذي قد ينصب له.
مصادر في 8 اذار تؤكد أن الحزب اليوم في سوريا ليس هو ذاته حزب الله القديم، «صحيح أن بعض الكوادر من أصحاب الخبرة استشهدوا خلال المعركة، لكن الجيل الجديد في المقاومة يكتسب خبرات كبيرة من خلال المعارك العنيفة التي يخوضونها في أوضاع مناخية وجغرافية مختلفة، وباستعمال تكتيكات متنوعة، اذ أصبحوا قادرين على العمل في جميع الظروف، وكذلك فإنهم اكتسبوا خبرات الحرب الكلاسيكية الى جانب استخدامهم قدراتهم الاستثنائية المعروفة في حرب العصابات، وهذا اتضح جلياً في معركة يبرود التي قُتل فيها عدد كبير من الإرهابيين في عمليات خاصة لعل ابرزها عملية تفجير الفيلا التي قضى فيه خبراء المتفجرات، مضيفة ان الحرب السورية حولت المقاومة من قوة لبنانية إلى كيان يملك ما يكفي من القوة لمواجهة إسرائيل محيطا نفسه بهالة من الغموض، ما سلط الضوء على دوره المحوري على الصعيد الاقليمي في اعادة رسم التوازنات والمعادلات وعن معركته التالية المحتملة.
ماذا حقق الحزب عسكريا من المشاركة في سوريا؟ أو لنكن أكثر دقة ماذا فعلت حرب سوريا بالحزب عسكرياً؟ سؤال لا شك في أن له الكثير من الأجوبة، لان الوقت ما زال مبكراً لكي نفهم بماذا خرج حزب الله من تلك الحرب، رغم الأكيد الوحيد بأننا امام خلطة تجمع بين عقلية حرب العصابات وقدرات الجيوش النظامية.
يقول إندرو إكسوم «حزب الله بدأ كفصيل يتبنى حرب العصابات وقاتل إسرائيل بهذا التكتيك»، إسرائيل نفسها التي قبل إنشاء دولتها خاضت حروب عصابات، لتتحول لاحقا إلى جيش نظامي، ليستنتج ان «حزب الله اليوم يمر بتجربة التحوّل ذاتها».