ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في لبنان والدخان سبب أول

لم يصدر السجل الوطني للسرطان في لبنان منذ العام 2008 لأسباب لوجستية. مع ذلك يتناقل البعض أرقاما ومعدلات لا تتصف بالدقة. الا ان المؤكد بالرغم من ذلك أن معدلات السرطان في لبنان إلى ارتفاع، بالمقارنة مع كل دول المنطقة. لا نعرف اذا كان هناك من مجال للبحث في الاسباب في ظل الفوضى التي يعيشها لبنان على كل المستويات حيث تضيع المعايير وينتشر الفساد وتنعدم الاخلاق… مما يهدد الامن البيئي اولا ومن ثم الامن الصحي. والنتيجة الحتمية لكل ذلك، زيادة معدلات الاصابة بالأمراض السرطانية على انواعها.
ولكن ما هي خصائص معدلات السرطان في لبنان؟ ما هي الأرقام الدقيقة؟ وما هي العوامل المسببة؟
تختلف البنية الديموغرافية بين المجتمعات، لذا يتم اعتماد مؤشر « Age standardized rate ـ ASR» لمقارنة معدلات السرطان بين البلدان. تشير رئيسة برنامج الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة الدكتورة ندى غصن، وفق معطيات منظمة الصحة العالمية 2012، إلى ان لبنان يسجل أكبر نسبة للإصابة بالأمراض السرطانية بين الدول العربية.
يبلغ المعدل في لبنان 197 حالة لكل مئة ألف شخص، بينما تبلغ المعدلات 155 في الأردن، 152 في مصر، 110 في تونس، و91 في السعودية، فيما تسجل الدول الأوروبية معدل 247.
بين النساء والرجال

سجل في العام 2012، وفق منظمة الصحة العالمية، 14 مليون حالة جديدة من السرطان وتوفي 8.2 ملايين شخص بسبب السرطان. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الوفيات الناجمة عن السرطان الى 22 مليونا في العام 2030،

وأن تزيد حالات الإصابة بالسرطان بنحو 70 في المئة خلال العقدين المقبلين. وتعتبر أكثر السرطانات انتشارا عند النساء: الثدي، القولون، الرئة، عنق الرحم والمعدة، وأكثر السرطانات انتشارا عند الرجال الرئة، البروستات، القولون، المعدة وسرطان الكبد.

تعتبر نسبة حدوث السرطان عند النساء في لبنان الكبرى بين الدول العربية خصوصا سرطانات الثدي، اللمفومة لاهودجكين (نوع من سرطانات الدم ـ non Hodgkin Lymphoma) ، الرئة، الرحم، والمبيض، وتعتبر أيضا نسبة حدوث السرطان عند الرجال الأعلى بين الدول العربية خصوصا سرطانات البروستات، المثانة، اللمفومة لاهودجكين، واللوكيميا.

تعيد غصن ارتفاع تلك المعدلات الى فرضيتين: زيادة التشخيص والتبليغ عن حالات السرطان في لبنان مقارنة بدول أخرى، ونمط الحياة المتبع في لبنان من نظام غذائي وقلة ممارسة الرياضة والتدخين وغيرها.
دراسة الأميركية

من جهة أخرى، قام فريق من الباحثين (علي شمس الدين، أحمد صالح، مايا شرف الدين، محي الدين سعود، ديبارو مخرجي، سالي تمرز، وعبلة محيو سباعي) من «الجامعة الأميركية في بيروت» بنشر دراسة في شأن اتجاه السرطان في لبنان بين الأعوام 2003 و2008، والتوقعات في العام 2018 في المجلة العلمية « Population Health Metrics». ارتكزت الدراسة على تحليل المعطيات بين الأعوام 2003 و2008، وعلى بلورة توقعات إحصائية للعام 2018.

تشير الدراسة الى ارتفاع معدل السرطان في لبنان على النحو التالي:

ـ في العام 1966، نسبة حدوث السرطان عند الرجال ( 102.8 حالة لكل مئة ألف شخص)، وعند النساء ( 104.1 حالة لكل مئة ألف شخص).

ـ في العام 1998، نسبة حدوث السرطان عند الرجال ( 154.2)، عند النساء (134.8)

ـ في العام 2003، نسبة حدوث السرطان عند الرجال ( 179.3)، عند النساء (190.3).

ـ في العام 2008، عند الرجال (225.7)، عند النساء ( 243.9)

في العام 2018، عند الرجال ( 296)، عند النساء (339.5)

في العام 2020، عند الرجال ( 361)، وعند النساء (312).

ومن المتوقع، أن تشكل سرطانات البروستات، المثانة، الرئة أكثر السرطانات شيوعا في العام 2018 عند الرجال، بينما تشكل سرطانات الثدي، المبيض، واللمفومة لاهودجكين أكثر السرطانات شيوعا عند النساء.

يشار إلى أن هناك اختلافا بين الآليات الإحصائية المعتمدة من قبل «منظمة الصحة العالمية» التي ارتكزت على تقديرات، وعلى المعطيات المتوافرة بين العامين 2006 و2007 لتقدير المعدلات للعام 2012 وللجنسين، وبين الطرق الإحصائية للدراسة التي ارتكزت على المعطيات بين الأعوام 2003 و2008 والتقديرات للعام 2018، وتمييز المعدلات بين الذكور والإناث.

تعيد غصن الاختلاف في الأرقام بين السجل الوطني للسرطان وأرقام منظمة الصحة العالمية، الى أن المنظمة تعتمد على تقديرات بينما يوثق السجل عدد الحالات، والى ان هناك اختلافا في عدد سكان لبنان المعتمد في الدراستين.
التدخين كسبب أول

يعيد الباحثون ارتفاع نسبة السرطان في لبنان الى عوامل عدة منها: شيخوخة المجتمع، اذ تشير أرقام الأمم المتحدة الى ارتفاع متوسط العمر المتوقع في لبنان ( average life expectancy) من 71 إلى 78.7 عاما بين الأعوام 2009 و2050، ومن المتوقع أن تشكل الفئة العمرية فوق 60 عاما نسبة عشرة في المئة من المجتمع اللبناني بحلول العام 2025. يشير رئيس قسم الأورام والدم في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور علي شمس الدين الى ارتفاع نسبة السرطانات المرتبطة بالتدخين مثل: الرئة والمثانة، إذ ترتفع نسبة التدخين في لبنان لتصل الى 46 في المئة عند الرجال البالغين، و31 في المئة عند النساء، ويعتبر معدل التدخين عند النساء في لبنان الأكثر ارتفاعا في المنطقة.
ارتفاع معدلات المثانة

تلفت الدراسة الى ان سرطان المثانة يسجل أرقاما مرتفعة في لبنان عند النساء والرجال. تعيد الدراسات العلمية ارتفاع نسب الإصابة بسرطان المثانة الى عوامل استهلاك مادة الكافيين، المياه التي تحتوي على مادة الكلور، والتدخين. وفي لبنان، يربط الباحثون ارتفاع نسبة حدوث سرطان المثانة مقارنة مع دول الجوار والمعدلات العالمية بعامل تدخين السجائر والنرجيلة.
تم تسجيل 807 حالات سرطان في المثانة عند الجنسين في العام 2008. في العام 1998، بلغت نسبة حدوث سرطان المثانة 28.7 حالة لكل مئة ألف شخص، لتصبح 34 في العام 2008، ومن المتوقع أن ترتفع لتصبح 43.1 حالة لكل مئة ألف شخص في العام 2020. فيتشابه المعدل مع الأرقام التي تسجلها الدول الصناعية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ويوصي الباحثون بضرورة اجراء دراسات معمقة لتحديد الأسباب وراء ارتفاع معدل سرطان المثانة في لبنان.
تؤكد غصن أن الربط بين بعض العوامل مثل المواد الملوثة، أو المشاكل البيئية وزيادة حدوث السرطان يحتاج الى سنوات عدة لظهور الآثار ونتائجها والتأكد منها.
التغيرات في النسب

ارتفعت نسبة الإصابة بسرطان الثدي من 78.3 حالة لكل مئة ألف شخص في العام 2003 الى 95.7 حالة لكل مئة ألف شخص في العام 2008. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليصبح 146.1 حالة لكل مئة ألف شخص في العام 2020. وتتجاوز هذه المعدلات الأرقام التي تسجل في الدول العربية. يبلغ متوسط العمر عند التشخيص 50 عاما بينما يبلغ العمر 63 عاما في الدول الصناعية. يعيد الباحثون ارتفاع هذا المعدل الى نمط الحياة، والغذاء غير السليم، وتأخر عمر الزواج، وانخفاض معدل الخصوبة، زيادة السمنة، وزيادة حملات الكشف المبكر والتشخيص.
بين الأعوام 2003 و2008، زادت نسبة الإصابة بسرطان البروستات من 29.9 إلى 39.2 حالة لكل مئة ألف شخص ليصبح السرطان الأكثر انتشارا بين الرجال بينما كان سرطان الرئة هو الأكثر انتشارا في العام 2003. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليسجل 69.2 حالة لكل مئة ألف شخص في العام 2020، أي ضعف المعدل الذي كان مسجلا في العام 1998.
السجل الوطني للسرطان

في العام 1966، كانت الدراسة الأولى للباحث أبو داوود لرصد نسب السرطان في لبنان. ثم قامت المجموعة اللبنانية لعلم وبائيات السرطان ( Lebanese cancer epidemiology group) بالتعاون مع مختلف المستشفيات بقيادة شمس الدين بدراسة في العام 1998. في العام 2002، صدر أول سجل للسرطان غير أنه لم يكن كاملا باعتماده على الحالات التي تأخذ الأدوية من وزارة الصحة فحسب، فصدر السجل الوطني الشامل في العام 2003 معتمدا، أيضا، على معطيات مختبرات الأنسجة والمستشفيات.
في العام 2006، أصبح السجل الوطني للسرطان في عهدة برنامج الترصد الوبائي ليضم مؤشرات عن مواقع السرطان وخصائصها، والأعمار، والجنس، والتغيرات، وأنواع الخلايا وتطورها، وصدرت النسخة الأخيرة في العام 2008.
تشير إحصاءات السجل الوطني الى تشخيص 8830 حالة جديدة في العام 2008 بنسب متشابهة بين الذكور (4245) والإناث (4576)، والى ان نسبة حدوث السرطان تبلغ 218 حالة جديدة لكل 100 ألف شخص.
تعيد غصن التأخر في اصدار السجل الوطني للسرطان الى أسباب لوجستية ونقص في الموارد البشرية لمكننة المعطيات، على أن يصدر هذا العام سجلات 2009، و2010، و2011 وفي السنة المقبلة السجلات الأخرى.
يوفر السجل الوطني للسرطان معطيات عن الإصابات الجديدة ومواقعها ونسبة حدوثها عند الرجال والنساء ومختلف الأعمار، ويعتبر ركيزة لأجراء دراسات تحليلية معمقة والبحث عن عوامل الخطر والمسببات. غير أن السجل الوطني يفتقر الى معطيات دقيقة عن مراحل المرض وتطوره، أو عن نسب الإصابة وفق المناطق، ما يساعد في اجراء دراسات تحليلية عن آثار بعض العوامل البيئية وغيرها على انتشار السرطان.

من جهة أخرى، يشير شمس الدين الى ان بعض الدول العربية مثل عُمان، الكويت، ودول مجلس التعاون الخليجي تمتلك معطيات دقيقة ووافرة عن نسب انتشار السرطان وحدوثه ومراحله، وعن العلاج، والمتابعة، والوفيات الناجمة عن المرض.
الأكثر شيوعاً في لبنان

أكثر السرطانات شيوعاً في لبنان، بحسب إحصاءات السجل الوطني للعام 2008:

ـ عند الرجال: البروستات (761 حالة في سنة 2008)، المثانة (636)، الرئة والقصبة الهوائية ( 582)، القولون (293)، اللمفومة لاهودجكين ( 269).

ـ عند النساء: الثدي (1733)، القولون (277) ، الرئة (255)، اللمفومة لا هودجكين (231)، والمبيض (171).

المصدر: السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …