لماذا الفلسطيني؟
كتب واصف عواضة
20 شباط 2013
أظهرت التحقيقات الجارية في التفجيرات الانتحارية على أرض لبنان منذ تموز الماضي, انخراط عدد من الفلسطينيين في هذه العمليات الدامية ,تخطيطا وتجهيزا وتنفيذا ,وكان آخرها الانفجار الذي شهدته منطقة بئر حسن يوم الاربعاء الماضي.وليس سرا ان مجموعات فلسطينية تقاتل في سوريا والعراق وسيناء في مصر,بشكل يوحي كأن الشعب الفلسطيني انحرف عن مساره الطبيعي المفترض في مقارعة العدو الصهيوني الذي يحتل أرضه ويوغل فيه قتلا وتشريدا وأسرا وتعذيبا.
ولا يجب ان يخفى على أحد,خاصة الاخوة الفلسطينيين,أن اعتقال بعض الفلسطينيين واكتشاف بعض آخر من الذين نفذوا العمليات الانتحارية ,بدأ يعكس “غضبة عارمة” لدى جمهور المقاومة في لبنان ,وخاصة في البيئة الشيعية ,تعبر عن ذلك بصراحة المجالس الخاصة ووسائل التواصل الاجتماعي,بما يذكّر بالفترة السوداء المظلمة التي شهدها لبنان في الثمانينيات بين حركة”أمل” وجمهورها والمخيمات الفلسطينية. ومن نافلة القول ان هذا الغضب يعتمل ايضا في نفوس الكثير من السوريين والعراقيين والمصريين ,ومن قبلهم الكويتيين وبعض مواطني الخليج.
ولعله من حق جمهور المقاومة في لبنان أن يسأل بمزيج من الغضب والعتب:ماذا أخطأ “حزب الله” بحق فلسطين وشعبها ومخيماتها ليجازى هو وبيئته بمثل العقاب الدموي من قبل بعض الفلسطينيين الذين انحرفوا عن قضيتهم ونضالهم الطبيعي؟ وهل ثمة فريق في هذه الأمة ,من محيطها الى خليجها, دفع ويدفع الأثمان الغالية في سبيل القضية الفلسطينية أكثر من هذه المقاومة وجمهورها ؟ ولماذا يستخدم الفلسطيني كرأس حربة في هذا المشروع التكفيري الارهابي الخبيث؟
قد يكون مشروعا السؤال والنقاش في كل ما تقدم,ولكن ثمة حقائق منطقية لا يفترض ان تغيب عن البال ,حتى لا يغرق جمهور المقاومة والفلسطينيون مرة أخرى في آتون الفتنة المطلوبة من أكثر من طرف لبناني واقليمي ودولي.وقد اشار الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته الاخيرة المتلفزة الى هذا الأمر من دون الدخول في التفاصيل ,لا سيما وأن معظم المخيمات الفلسطينية في لبنان تقع في قلب البيئة الشيعية ,في الجنوب والضاحية والبقاع.
من هذه الحقائق أن الفلسطينيين المنخرطين في العمليات الانتحارية ,ليسوا إلا قلة قليلة ,وهم ليسوا الشعب الفلسطيني ولا يمثلونه بأي حال من الاحوال ,ولا يفترض ان يتنكر جمهور المقاومة لفلسطين وشعبها وقضيتها ,أيا كان الثمن. فالشعب الفلسطيني الذي عانى ويعاني من شتى صنوف القهر والظلم والقمع والاحتلال, في الداخل والخارج,يجب ان نبقى معه “ظالما كان أم مظلوما”.وجمهور المقاومة عرف القهر والظلم والاحتلال وما يؤدي اليه من كوامن تصل احيانا الى حد الكفر.
ثم أن الشعب الفلسطيني واحد من شعوب هذه الأمة التي تفسخت شرائحها وتناحرت وخرج منها الغث والثمين,ولا يلومن أحد شعب فلسطين على خروج بعض المنحرفين من صفوفه.وفي كل الاحوال لا يجوز التعميم والشمولية في مثل هذه الحالات,عملا بالقول الكريم:”ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
الا أن كل هذا وذاك ,لا يعفي القيادات والفاعليات الفلسطينية المسؤولة في لبنان والخارج,سياسية وروحية ومدنية, من دق ناقوس الخطر حيال هذه الظاهرة التي تتجاوز لبنان,والعمل بالسرعة مع قيادة المقاومة والدولة اللبنانية ,على تهيئة مناخات ثقافية واجتماعية وأمنية في المخيمات وخارجها ,تلجم هذا الانحراف, أيا كان الثمن الرخيص الذي يمكن أن يدفع الآن ,قبل أن يصبح الثمن باهظا وقاتلا لفلسطين وشعبها وللبنان والمقاومة وجمهورها.
واصف عواضة