أهمية التوحيد وخطورة الشرك

الجمعة, أيلول (سبتمبر) 11, 2015
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ*وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ* يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء}

يشير الله تعالى في هذه الآيات إلى كلمةٍ طيّبة من خصائصها: أنها ثابتة، راسخة، تؤتي أكلها في كل المواسم والفصول، يرعاها الله و يمدّها بالبقاء وتترسخ بالنفوس.

هذه الكلمة أجمع المفسّرون أنها كلمة التوحيد، لا إله إلا الله. وفي مقابلها تحدث الله عن كلمة خبيثة هي كلمة الشرك، وقال إن ثمارها خبيثة، ولا أصل لها ولا امتداد ولا ثبات، فالله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

لقد كانت الدعوة إلى التوحيد هدف كل الرسالات السماوية، فهذا ما جاء به إبراهيم وموسى وعيسى وكل النبيين عليهم السلام، وعملوا على تثبيت قواعدها،{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} ولا إله إلا الله أول كلمة أطلقها رسول الله(ص)، وهي شكلت الأساس والمرتكز لكل ما جاء من عقيدة وشريعة وقيم وأخلاق، أنها عنوان كل العناوين…هي كلمة ذات ثقل معنوي عظيم أراد لها الله أن تتأصل وتترسخ في وجدان الانسان فرداً ومجتمعاً، وجعلها منهج حياة ومنارة سلوك .. لا أن يأخذ المسلم من الكلمة ظاهرها ويبسطه أيما تبسيط.. بل أن يعيها تمام الوعي ليكون التوحيد والوعي توأمين لا ينفصلان يرتبط احدهما بالآخر في علاقة متينة. لا في علاقة مصطنعة كما لدى من اعتاد أن تكون “لا إله الا الله” شعاراً أقرب منه إلى السياسي ليدلل على هويته وانتمائه إلى جماعة المسلمين.

ايها الاحبة: عندما كلف رسول الله بالاعلان عن رسالته وقف يخاطب أهل مكة لخص دعوته : قولوا لا اله الا الله تفلحوا . ودعوته لهم قولوا لا تعني قولوها بالسنتكم انها البداية والدليل الى ان تصبحوا مسلمين. قولوا يعني التزموا نبذ عبادة اي صنم واعبدوا الواحد الاحد.

ولعل هذا الجانب من رسالة التوحيد أي مواجهة عبادة الاصنام، على صعوبته وعدم عقلانيته وانسانيته, هو الأسهل إذا ما قارناه بالجانب الآخر للتوحيد وهو معالجة مظاهر الشرك الأصغر على مستوى الفرد والمجتمع.
الشرك الاصغر يعني أن نتعامل مع الله كربٍّ نعبده ونخاطبه عندما تتطلب طقوسنا ذلك ولكن لا نعيه كما وصف ذاته الجليلة ولا نطيعه: {مالك الملك تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
وقد لا نخافه وهو القادر على كل شيء {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {لِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ..} هنا اساس العلاقة ما بين التوحيد والوعي.

فأن تكون موحداً يعني أن تعي ومن دون تردد أن تسلّم كل كيانك ووجودك لله، فلا تتخذ موقفاً أو قراراً أو تؤيد أو تعارض أو تحب أو تبغض أو تسالم أو تحارب قبل أن تعود إلى الله ليكون مرجعك في كل أمورك وان تسلّم لأمره تسليماً {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}
و هذه الفكرة ليست بالبساطة التي نتخيلها, فأنت حينما تطيع المسؤولين، سياسيين أو رؤساء أو زعماء ، و تعتبرهم أساس رزقك أو حياتك أو موقعك أو استقرارك و حتى حريتك..أليس هذا التعامل معهم فيه نوع من التأليه والعبودية. وهو شرك.

أنت عندما تتخذ آلهة من الناس من دون الله فأنت لا ترتكب فقط إثما بمعنى إثم الاخلال بالعبودية فحسب، بل لهذا العمل تداعيات ومفاعيل أخرى هي أبعد من ساحتك وتمتد على مساحة الحياة من حولك ، فأنت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تسهم في انشاء منظومات فساد وانحراف هي للأسف متجذرة في المجتمعات الإنسانية .فعندما تتعامل مع أولئك بأنهم أرباب هذا يعني أنك تتحمل وزر فسادهم، فتبرر لنفسك السرقة و حتى القتل أحياناً تحت عنوان أنك مرؤوس أو أنك عبد مأمور.. و قد نرى ذلك جليا في الجنود أو العناصر الذين لا ترمش لواحدهم عين و هو يقصف أو يقتل العزل و الأطفال و الفقراء تحت عنوان أنه مأمور من ملك او رئيس أو وزير أو أمير أو مفتيا من غير علم باتوا أرباباً مطاعين من دون الله … {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} صحيح هم لم يعبدوهم ولكنهم احلوا لهم حراما وحرموا لهم حلالا فاطاعوهم.

وبالمناسبة فقد درجت المجتمعات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية لدراسة هذا الجانب من شخصية البشر و أظهرت بالتجارب كيف ان المرؤوس قد يخالف فطرته وانسانيته ويتحول الى وحش كاسر وهو بكل خفة يؤذي غيره واللافت أنه مرات يأخذ مداه ويؤذي بعيار أثقل مما هو مأمور به ،بحجة طاعة الأوامر ورغبة بالمحفزات وإن كانت ضئيلة…ولو كلمة او رضا من المسؤول على طريقة اشهدوا لي عند الأمير.

ايها الاحبة
إن أهمية التوحيد تكمن عندما تضع الله الرحمن الرحيم الرؤوف الكريم الاله الذي تعي قدرته وتدرك قوته وعلو شأنه وجبروته فوق كل إرادة وفوق كل أمر… للأسف بعض الناس بحاجة إلى صدمة كي يعوا حقيقة من يعبدون: صدمة موت او كارثة او مرض… أما حينما تصبح لا اله الا الله منهج حياتك وتملك المعيار لأي موقف لأي قول ولأي عمل انت تملك الميزان لتمييز الحق من الباطل .

عندما تكون” لا اله الا الله” واعية فإن قائلها حينها لا يخضع لكل دعوات الفساد ولا يتأثر بأولئك الذين يتسترون بالدين وبشعار التوحيد لتبرير القتل والإجرام. عندما تضع الله نصب عينيك وفي قلبك فأنت وبلا تردد سترفض تلقائيا اي دعوة مشبوهة او عرض مشبوه ولن تكون ذيلا لأحد مهما كان هذا الاحد.

وعندما يصبح شعار التوحيد سياسيا وطقوسيا كما هو حاصل في مجتمعاتنا يصبح على ألسنة البعض و بين ايدي هؤلاء اقرب الى الوثنية منه الى التوحيد و من هنا الحاجة اليوم، في أمسها ، الى جعل التوحيد خالصا لمعالجة كل انواع الشرك.. إن الشرك الاكبر لم يعد موضع ابتلاء وقد تكفل به الانبياء وانتهى وتحطمت الاصنام في مسار طويل من النبي ابراهيم وصولا لخاتم الرسل محمد (ص)..المهم ان يكون التركيز بقصد لا اله الا الله…ان ننقي سلوكنا وقلوبنا من الشرك الخفي والشرك المبطن والشرك الأصغر وهذه يفترض أن تنصب عليها جهود العلماء، خاصة و نحن على مشارف موسم الحج.

ومن هنا ندعو حجاجنا، أن يأخذوا من الحج هذا العمق التوحيدي في مركز التوحيد. فإن أخذنا مجموع الحجاج والمسلمين بشكل عام فهم موحدون بحمد الله، ولكن عبرة الحج وفائدته أننا عندما ندعو أن لا شريك لك لبيك.. فإن التخلص من مظاهر الشرك كلها تكون بنبذ كل هذه الأصنام والالهة المصطنعة من العصبيات و المذهبيات و الأهواء و الأشخاص وأن نستحضر الله في كل جوانب حياتنا كمقدر و مالك وواهب ورازق، وهكذا تكون الكلمة له في حياتنا ،واوامره ونواهيه هي البوصلة التي تحرك مواقفنا وتحرك اصطفافاتنا وتحرك تصفيقنا وتأييدنا ورفضنا وقطيعتنا.. المسألة ليست سهلة تتطلب وعيا وجهاد نفس فهلا تحملنا..

اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، والعودة إليه، حتى نستطيع أن نخفّف بعض معاناتنا وآلامنا، فما يصيبنا على مختلف الصّعد الفرديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة، لا ينبغي أن نضعه، كما نفعل غالباً، على عاتق الآخرين. لنفتّش في داخل عقولنا وقلوبنا، وفي أساليب حياتنا، عن التّقوى في كلّ ذلك، وسنجد أنّ فقدان التّقوى أو ضعفها، هو سبب ما وصلنا إليه، وقد أوضح الله لنا ذلك بقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
والتّقوى، أيّها الأحبَّة، ليست صلاةً وصوماً وحجّاً وخمساً وزكاةً، بقدر ما تكون باستهداء الله في كل شيء؛ أن نستهدي الله في كلّ كلمة، وفي كلّ موقف، وفي كلّ قرار، وفي كلّ كبيرة وصغيرة.. أن يكون ذلك نابعاً من الله، والله وحده.

لبنان
والبداية من لبنان، الَّذي بدأ فيه الحوار بين رؤساء الكتل النيابيّة، والذي يهدف إلى إخراج البلد من حالة المراوحة السّياسيّة الّتي يعانيها، بسبب تجاذبات الدّاخل ورهانات الخارج، وعدم القدرة على إيجاد حلولٍ وسط لا يقوم لبنان بدونها.
وفي الوقت الذي نراهن دائماً على الحوار كسبيل لمعالجة المشكلات، بل نراه هو السبيل الوحيد لذلك، نخشى كما يخشى الكثيرون أن يكون هذا الحوار كسوابقه، وأن يقتصر على تبريد الأجواء بين المتحاورين فقط، رغم أن ذلك مطلوب، فقد بات واضحاً، ومن مجريات الجلسة الأولى، إصرار كلّ فريق على موقفه من القضايا المطروحة، فلا يوجد رغبة لدى أي طرف في التّنازل عنها، على الأقل في هذه المرحلة، حيث احتدم الصّراع على مستوى المنطقة، ما ينعكس على أداء المواقع السياسيّة في الداخل.

ورغم كل هذا، فإننا نأمل أن يكون مستقبل الحوار خيراً من ماضيه، وأن يقتنع المحاورون بأن الهيكل يكاد يقع على رؤوس الجميع، وأن لا خيار لهم إلا الإصغاء جيداً إلى مطالب الناس وألمهم ووجعهم، الَّذي لا يقتصر على الذين خرجوا إلى الشارع، بل هذا هو حال كلّ اللبنانيين.. وأن يبدأوا، وبكلّ مسؤولية، بمعالجة مشاكل الناس الحياتية والمطلبية التي تشي بالحالة التي وصلنا إليها من نفاياتٍ وكهرباء ومياه وغلاء معيشة، واللائحة تطول وتزيد مع مرور الأيام بدلاً من أن تنقص.. فالنظام السياسي المتعفِّن يتمتع بقدرة فائقة على توليد مشاكل جديدة.

إنَّ على النادي السياسي أن يستشعر الحاجة إلى استعادة ثقة الناس به، بعدما فقد هؤلاء هذه الثقة، وأصبحت النظرة إلى كل واحد من هذا النادي، على أنه فاسد وسارق، أو متآمر على مصالح الناس، وعلى الأقل غير مبالٍ بهم.. وإن كنا ندعو، حرصاً على العدالة والدقة المطلوب رعايتها مع العدو والصديق، إلى عدم التعميم ووضع الجميع في خانة واحدة على مستوى الفساد والمحاصصة.. في الوقت الذي نشدّد على ضرورة أن يرفع بعض من لا يزالون من الصامتين، أصواتهم بقوة، بالشكل المطلوب، ليكونوا على مستوى ما يأمله اللبنانيون منهم في ظل هذه الظروف العصيبة، حيث الصامت شريك الفاسد والسارق…

وفي هذا المجال، يستمرّ الحراك الشّعبيّ الّذي بات يشكّل قوة ضغط ضروريَّة على الطبقة السياسية للقيام بمسؤولياتها وعدم التفريط في مصالح الناس، وصار أداة فاعلة في المراقبة والمتابعة لما تقوم به أجهزة الدولة ومؤسساتها…
إنّ المسؤوليّة تقع على عاتق كل مواطن في أن يكون العين الساهرة على الشأن العام،كما هو العين الساهرة على مصالحه الخاصة.. إننا نريد للبنان أن يكون وطناً للقيم، لا وطناً لانعدام القيم، فلا يمكن لبلدٍ يتغنّى أهله بأنه بلد الأديان السماوية، أن يكون بعيداً عن قيمها، بل لا بد من أن يحمل معاني هذه الديانات وروحيتها وروحية رسلها، ويترجمها في أي موقع يتواجد فيه، فهذه الأديان لم تأتِ لتكون عناوين تُرفع، بل لتكون وقائع تُترجم قيم العدالة والمساواة والصدق والأمانة.

ولا بدَّ لنا في ظل هذا الواقع المتردي الذي يعيشه إنسان هذا البلد، وفي ظل عجز الدولة، ونحن على أبواب استحقاقات عام دراسي جديد مثقل بالهموم والمشاكل، من أن ندعو إلى مزيد من التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، كما بين المؤسسات والمجتمع.. ونحن بما لدينا من قدرات وطاقات، سنحرص على تلبية الحاجات ما استطعنا، ضمن حدودنا وإمكانياتنا، وبالمستوى الذي نملكه، لكن ذلك أكبر من طاقات أفراد ومؤسسات، ويحتاج إلى تضافر جهود الجميع، لتخفيف المعاناة عن أولئك الذين ترهقهم الأقساط المدرسية والكتب والقرطاسية وغير ذلك الكثير.

موسم الحجّ
وأخيراً، يأتي موسم الحج في هذا العام بكلّ ما يحمل من معانٍ روحية وإيمانية وتربوية وأجواء وحدوية، حيث يلتقي المسلمون بكلّ تنوّعاتهم، وعلى مختلف مذاهبهم وأعراقهم وأجناسهم ومواقفهم، على صعيد واحد؛ يلبّون معاً، ويطوفون ويسعون معاً، ويقفون معاً، ويضحّون معاً، ويرجمون الشياطين معاً؛ شياطين أهوائهم وعصبياتهم، ويجدّدون العهد مع رسول الله(ص) ومع كلّ هذا التاريخ الإسلامي العريق.
وهذا المشهد لا يريده الله أن يكون صورة الحج فحسب، بقدر ما يريده أن ينعكس على صورة المسلمين أينما وجدوا؛ أن يكونوا معاً يداً واحدة، متراصّين متّحدين، رحماء فيما بينهم، أشدّاء في مواجهة أعدائهمـ ممن يسيئون إلى إنسانهم ومقدراتهم ودينهم، ويستبيحون بلادهم وقرارهم الحر..

لكن، مع الأسف، هذا ليس المشهد الذي نراه في أكثر من ساحة من ساحات المسلمين، بل إننا نرى صور الانقسام والقتل والذبح والتدمير الذي يحصل في أكثر من بلد، ومع الأسف، وبأيادٍ مسلمة وفتاوى إسلامية، فيما لا نسمع صوتاً حكيماً وعاقلاً يدعو إلى إيقاف هذا النزيف الذي لا يخدم إلا العدو الصهيوني. وإذا وُجد هذا الصّوت، فإنه لا يُسمع، حيث تُحشد وتستنفر القوى الإسلامية والعربية ووسائل الإعلام، لا في مواجهة العدو الذي يستهدفهم ويستهدف مقدساتهم، بل في مواجهة بعضهم البعض؛ حيث يستهدف فيهم القوي الضعيف، وتستنزف ثروات المسلمين التي ينبغي أن يتشارك المسلمون جميعاً فيها، حيث يقوّي غنيّهم فقيرهم، لكنّها تذهب هدراً أو في شراء سلاحٍ ممنوع أن يستعملوه في مواجهة أعدائهم، بل في مواجهة بعضهم البعض، في وقت لا تفتح أبواب البلاد الإسلامية أمام الذين يكتوون بنار حروبهم، بل يهيمون في بلاد الله الواسعة، بحثاً عن مكان آمن يعيشون فيها حياة كريمة.

لن نستفيض كثيراً في هذه المآسي التي نأمل أن يكون المسلمون قد وعوا نتائجها، ولكننا نريد لموسم الحج أن يكون فرصة للتفكير والتأمل في كل ما يجري في هذا الواقع، والمصير الذي سيصلون إليه إذا استمروا بهذا الواقع، عسى أن يساهم ذلك في عودة الأمن والسلام إلى ربوع بلادهم العطشى إلى ذلك.

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ: 27 ذو القعدة 1436هـ الموافق :11 أيلول 2015م


شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …