تاريخ المقال: 19-01-2015 01:54 AM
ما حصل في القنيطرة أمس سيكون بالتأكيد نقطة تحول في الصراع المفتوح بين «حزب الله» وإسرائيل.
ستة مقاومين في «حزب الله»، من بينهم جهاد إبن الشهيد عماد مغنية، يسقطون في غارة إسرائيلية استهدفت موكبهم في منطقة القنيطرة السورية، الواقعة ضمن مثلث الحدود المعقدة والملتهبة بين لبنان وفلسطين المحتلة وسوريا.
هي مواجهة مباشرة غير مسبوقة على الأرض السورية، بين المقاومة وما تمثله، والعدو الاسرائيلي وما يمثله.. من دون وسطاء أو وكلاء.
لم تعد مشاركة إسرائيل في الحرب السورية ضد محور المقاومة مجرد اتهام أو افتراض، وما جرى في القنيطرة ليس سوى دليل إضافي على الانزياح الطبيعي للصراع الحاصل داخل سوريا في اتجاه هويته الأصلية، بعدما طبعته لفترة من الزمن «الأسماء الحركية».
صحيح ان الثمن الذي دفعه الحزب بفعل الاعتداء الإسرائيلي كبير، لكن من شأن هذا الاعتداء أن يساعد الحزب كثيراً في تثبيت الصورة الحقيقية للصراع الدائر في سوريا، باعتباره صراعاً مع إسرائيل ومشروعها.
لا التباس بعد اليوم في طبيعة المواجهة التي يخوضها «حزب الله» في سوريا، بعدما تأكد بالعين المجردة أن إسرائيل أصبحت جزءاً عضوياً من المعسكر الساعي الى تغيير دور دمشق وموقعها الإستراتيجي، تمهيداً للإطباق على المقاومة في لبنان، وما ترمز اليه في المعادلة الإقليمية.
لم تعد إسرائيل تكتفي بتقديم الدعم العسكري واللوجستي لـ «جبهة النصرة» عبر الحدود مع الجولان، ولم تعد تكتفي بشن غارات «مضبوطة الإيقاع» على مواقع سورية او على إمدادات مفترضة لـ «حزب الله» في لبنان، كما كان يحصل في السابق.. هذه المرة أراد العدو ان يوجه رسالة قاسية بـ «البريد السريع» الى الحزب، وربما أبعد من ذلك.
وما كرسه هذا الاعتداء هو ان «الحدود الشمالية» أصبحت تمتد من الناقورة في الجنوب الى القنيطرة في الجولان، باعتراف إعلام العدو ذاته، الأمر الذي يعني ان الهامش الجغرافي لتحرك المقاومة أصبح أوسع، في وقت يحاول العدو تضييقه عبر سعيه الى تغيير قواعد الاشتباك، وتعطيل مفاعيل المعادلات «الكاسرة للتوازن» (تبعاً للتوصيف الإسرائيلي)، والتي أرساها السيد حسن نصرالله في مقابلته التلفزيونية الاخيرة.
وفي سياق الهزات الارتدادية للغارة الإسرائيلية على موكب «حزب الله» في القنيطرة، كان لافتاً للانتباه أن كتائب الناصر صلاح الدين في غزة (الذراع العسكرية للجان الشعبية) اعتبرت أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة ويجب على المقاومة أن ترد على الرسالة، مشيرة الى أن دماء الشهداء في القنيطرة تؤكد وحدة المقاومة من فلسطين مروراً بلبنان وصولاً إلى إيران.
ظروف الاستهداف
ولئن كانت منطقة القنيطرة هي ساحة مواجهة ساخنة، إلا ان ذلك لا يعفي من طرح تساؤلات حول مكامن الخلل التي سهلت للعدو مهمته، ومن هذه التساؤلات التي يفترض أن تجد أجوبة لها لدى «حزب الله» والجانب السوري: من أين انطلق موكب المقاومين، وكيف عرف العدو الإسرائيلي بهوية مَن في الموكب، وهل كان قيد الرصد منذ لحظة تحركه، وهل كان الرصد من الجو فقط أم من الجو والأرض معاً، وفي الحالة الثانية مَن تولى المراقبة في البر؟
الرد: أين وكيف ومتى؟
وأياً تكن الأهداف الإسرائيلية الكامنة خلف استهداف عدد من كوادر «حزب الله»، فإن السؤال البديهي المطروح الآن هو: كيف سترد المقاومة، وأين، ومتى؟
يبدو النقاش حول مبدأ الرد محسوماً، بقناعة الإسرائيليين قبل غيرهم، أما ما يحتمل الاجتهاد فهو تحديد المكان وطبيعة الهدف وزمان الرد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حصول الاستهداف في الأراضي السورية يجعل الباب مفتوحاً على أكثر من احتمال.
وهذا العامل «الجيوسياسي» يدفع الى التساؤل حول تأثيره، سواء على الحسابات التي تحكمت بقرار إسرائيل تنفيذ عملية الاغتيال ضمن الجغرافيا السورية، او على الخيارات المضادة التي سيتخذها «حزب الله» لجهة ما إذا كان سيرد من سوريا أم من لبنان أم من خارج هاتين الساحتين، وهل سيكون الرد سريعاً أم لا، وهل سيتخذ شكل عملية أمنية أم مواجهة عسكرية، وهل سيتولى «حزب الله» حصراً الرد أم كل محور المقاومة، وما هي إمكانية أن تتدحرج التطورات نحو حرب مفتوحة وواسعة؟
وفق تقديرات أوساط قريبة من حزب الله، فإن الرد «حتمي» على الاعتداء الإسرائيلي، «لكن الحزب لن يتصرف بانفعال وإرباك وهو سيأخذ الوقت الذي يراه مناسباً لتحديد الخطوة الآتية بهدوء وحزم، وهذا ما عكسه البيان الصادر ليل أمس عن الحزب والذي اكتفى بنعي الشهداء، تاركاً باب التأويل مفتوحاً».
وأشارت الأوساط الى أنه «إذا كانت المقاومة قد ردت على استشهاد أحد مقاوميها في عدلون بعميلة نوعية في شبعا، فإن استهداف ستة من كوادرها وعناصرها في القنيطرة سيلقى رداً موجعاً وغير نمطي بحجم الاستهداف، لكنه على الأرجح سيكون مضبوطاً تحت سقف عدم الاندفاع الى حرب شاملة، مع الاستعداد لأسوأ السيناريوهات في حال تهورت إسرائيل وقررت خوض مغامرة غير محسوبة.. ما بعد حافة الهاوية».
وبالتأكيد، لا يمكن فصل خيارات «حزب الله» عن مسار الكلام الذي أدلى به السيد حسن نصرالله خلال مقابلته التلفزيونية الاخيرة، حين أكد «أن الضربات الإسرائيلية لأهداف في سوريا هي استهداف لمحور المقاومة والرد عليها أمر مفتوح وقد يحصل في أي وقت». وأضاف: إذا كانت حسابات الإسرائيلي تقوم على أساس أن المقاومة أصابها وهن او ضعف وأنها مستنزفة أو أنه تم المس بقدراتها وجهوزيتها فهو مشتبه تماماً، وسيكتشف لو بنى على هذه الحسابات، أنه يرتكب حماقة وليس خطأ كبيراً.
توجس اسرائيلي
وإذا كانت بعض التفسيرات لدوافع العدوان الإسرائيلي قد وضعته في سياق «تصعيد خطير»، إلا أن هناك من يرجح أن يكون الهدف الإسرائيلي هو إبلاغ «حزب الله» بأنه تجاوز الخطوط الحمر للصراع (وفق الترسيم الإسرائيلي)، من خلال تواجده العسكري في الجولان، وأن عليه أن يعود الى قواعد اللعبة التقليدية، في الجنوب.
وكان مصدر أمني إسرائيلي قد أعلن لوكالة الصحافة الفرنسية عن أن «مروحية إسرائيلية شنت غارة على عناصر إرهابية في سوريا كانوا يعدون لشن هجمات على إسرائيل»، في حين عتمت الرقابة العسكرية على العملية.
ورفع جيش الاحتلال الإسرائيلي استنفار قواته، داخل مزارع شبعا والجولان المحتليْن، فيما أفادت مصادر أمنية متابعة للوضع الحدودي أن تعزيزات إسرائيلية سُجلت في اتجاه خطوط التماس في المزارع والجولان، في ظل تحليق مكثف للطيران الاستطلاعي من دون طيار في اجواء جبل الشيخ والمزارع.
وبينما لم تعقب إسرائيل بشكل رسمي على عملية الاغتيال، قال وزير الحرب موشيه يعلون في حديث إذاعي: إذا كان «حزب الله» يقول إن رجاله قتلوا في العملية، فليشرحوا لنا ماذا يفعلون في سوريا.
وأضاف: كلما حصل شيء في المنطقة يتهموننا. لست معنياً في التطرق إلى ذلك. سمعنا خطاب حسن نصر الله الأسبوع الماضي، وقد نفى وجود قوات لـ «حزب الله» في هضبة الجولان. إذا كان ذلك صحيحاً، فعليه أن يشرح.
وألمح الجنرال المتقاعد يوآف غالانت إلى أن توقيت الهجوم الذي شنته إسرائيل في الجولان السوري مرتبط بالانتخابات الإسرائيلية.
وقال غالانت، الذي انضم مؤخراً إلى حزب «كولانو» الجديد بقيادة موشي كحلون، في حديث الى القناة الثانية إنه «بالنظر إلى أحداث وقعت في الماضي هناك توقيت أحياناً لا يمكن نفي صلته بالانتخابات».
واستذكر غالانت عملية اغتيال قائد «كتائب القسام» أحمد الجعبري في العام 2012، وقال إن «توقيت الاغتيال كان يمكن أن يكون قبل ذلك. كنت قائداً للمنطقة (الجنوبية) لفترة خمس سنوات قبل ذلك، وتوفرت العديد من الفرص لتنفيذ الاغتيال. نصحت حينها مراراً بالتنفيذ، ولكن لسبب ما لم تنفذ العملية في تلك المواعيد».
واعتبر المحلل العسكري الاسرائيلي ألون بن ديفيد ان الهجوم على موكب «حزب الله» سيرتب معادلة جديدة.
وأفادت القناة العاشرة الإسرائيلية أن السؤال الذي يشغل بال إسرائيل هو أين وكيف سيرد نصرالله، مع تقدير بأن الرد حتمي لكنه ليس فورياً ولن يكون عبر حرب.
ورأت أنه «بالإضافة الى تسلح الحزب الكبير فإن ما قام به في السنة الأخيرة، هو بناء قوة هجومية، فإحدى عبَر الحزب من عملية الجرف الصامد، هي مبدأ بن غوريون بنقل الحرب الى أراضي العدو، وهو يبني قدرة للدخول بقوات كبيرة الى إسرائيل والسيطرة على مستوطنة، وليس عشرة مقاتلين عبر نفق. إنه يشعر بالثقة لأنه يقوم بذلك في سوريا حيث يراكم ثقة بالنفس وخبرة قتالية».
وأضافت «هو يعرف كيف يقوم بهذا، لذلك فإنه يشكل تحدياً إضافياً للتحدي الصاروخي الذي هددنا لسنوات، بحيث أنه بصراحة يوجد أمامنا منظمة من الناحية العسكرية تضع أمام إسرائيل تحديات لسنا متأكدين أن الأجوبة عليها ممتازة وقادرة بصورة سهلة على حل المسألة، فهناك منظمة مسلحة صاروخياً مع قدرة على إصابة كل أنحاء إسرائيل بواسطة صواريخ ثقيلة وأيضاً قدرة هجومية بحيث سيحاول الحزب في كل مواجهة مستقبلية الوصول الى الجليل».
واعتبرت القناة الاولى الاسرائيلية ان ما حصل هو تثبيت لمقولة انه أصبحت هناك جبهة شمالية واحدة.
ورأت القناة الثانية الاسرائيلية ان «حزب الله» سيلملم جراحه وسيرد، إنما ليس بشكل فوري وأوتوماتيكي، مشيرة الى ان مستوطني الجليل والجولان خائفون من رد محتمل.
تجدر الإشارة الى أن مصدراً عسكرياً سورياً قال إنه «في إطار دعم المجموعات الإرهابية قامت مروحية إسرائيلية ظهر أمس بإطلاق صاروخين من داخل الأراضي المحتلة باتجاه مزارع الأمل في القنيطرة ما أدى إلى ارتقاء ستة شهداء وإصابة طفل بجروح بليغة».
كلمة لنصرالله؟
.. ما بعد اعتداء القنيطرة ليس كما قبله. ووحده السيد نصرالله، سيرسم معالم المرحلة المقبلة في كلمته المرتقبة خلال التشييع الحاشد للشهداء، وما على العدو والصديق إلا الانتظار قليلا.
المصدر: السفير