أبو رخوصة ينعش قلب بيروت

تصل السيدة الثمانينية بشعر مصفف وقرط لؤلؤي يُضفي سحره على فستانها البنفسجي، قامتها المنتصبة لم تحُل دون تأبطها ذراع صبية عشرينية حرصت على عدم تعثرها بين الحشود الغفيرة التي أمّت «سوق أبو رخوصة» في وسط بيروت أول من أمس. تسحب زمرد عيتاني، الثمانينية نفسها، يدها من يد مرافقتها، لتدور باصبعها من حولها «هيدي بيروت يا تيتا، هيدي ساحة رياض الصلح مش سوليدير، هيدا شارع المصارف مش الداون تاون، هيدي المدينة يلي أهم شي فيها إنها لكل الناس». بدت السيدة كمَن لديه رسالة يريد أن يودعها في قلب الجيل الجديد. وهناك أخبرتها أن قماش فستانها الأول اشترته من شارع ويغان، وأن أقراطاً شبيهة بالتي ترتديها اليوم ابتاعتها من سوق اللعــازارية، وأنها انتقت هدية حبيبها الأول من سوق الطويلة. وفي خضم غرقها بذكرياتها، تنهّدت زمرد وطلبت من حفيدتها أن تجلسها على أحد المربعات الإسمنتية في شارع المصارف «انهدّ حيلي من الوجع، مش من التعب»، قالت للصبية التي عرضت عليها العودة إلى البيت.كانت زمرد، ابنة بيــروت التي لم تعِش في مدينة غــيرها على مدى أعوامــها الثمانين، واحدة من مئات قصدوا وسط بــيروت أول من أمــس للمشاركة في سوق «ابو رخوصة» الذي جــاء كردّ فعل طبيعي وعفوي على ما قاله رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس: «نحن هنا لنقول للشماس ولكل المحتكرين والسياسيين الفاسدين إن بيروت لكل الناس»، تقول محامية فرشت بسطتها في السوق، ووقفت تبيع سلعها المعروضة بـ 250 ليرة إلى 500 إلى ألف، و «يلي ما معه ما يدفع». أعدّت المحامية بعض «السندويتشات» البيتية وجاءت من عجلتون في كسروان.

معها جاء كثر، من الهرمل ومن طرابلس، من دير القمر ومن عكار، من الجنوب، ومن أعالي جبيــل، والأهــم أن أهل بيروت كانوا هناك. أهلــها الذين يفتقدون بيروت الحقيقية التي كانت حاضنة كل الناس، هؤلاء كانوا الأكثر تأثراً بما يجري من حولهم. ومعهم، مع أهل بيروت الذين نزلوا كما غيــرهم إلى قلبها، كان الرد على كل الذين يرغبــون بإلــباس الحراك والمشاركين فيه عــباءة طبــقية بعدما خلع الشارع عنه أي عباءة طائفية أو انقسام سياسي على خلفية «8 و14 آذار»، أو «حتى التهويل بهجوم الشـيوعيين على النظام الليــبرالي اللبناني»، كـما قالت مخرجة سينمائية حضرت لقضاء إجازتها في لبنان، وشاركت في «ابو رخوصة».

رسم الناس في وسط عاصمتهم مشهداً مختلفاً أول من أمس. استلذّ كثر بتناول فنجان قهوة للمرة الأولى في حياتهم هناك. جلسوا على رصيف شارع المصارف، استغلوا المربعات الإسمنتية التي أقفل بها النواب والوزراء مجلسيهم وبينهم وبين الناس، ليجلسوا عليها يرتاحون من التجوال بين البسطات الكثيرة. وهناك تشفى كثر ببيع سلع بأقل من أسعارها فقط ليقولوا إن الربح المادي ليس الأساس، وإن روح السوق والفرح في عيون الحاضرين هي الأساس.

وهناك، قلّمت صبية أظافر السيدات بألفين، وزين حلاق شاب شعر الشبان بأجمل قصة بألف، وباع كثر «التنورة بألف.. جكارة بالسنيورة». لم يتركوا سلعة إلا وجاؤوا بها. لم تبق منطقة إلا وجاؤوا منها، ليجمعهم قلب بيروت التي تبقى الأغلى من بين المدن والمناطق، بيروت التي كانت سوق الفقير ومشفاه ومدرسته وجامعته وباب رزقه.

وهناك بدا التواطؤ واضحاً، في العلاقة الطيبة بين مَن يلتــقون ربمـا للمرة الأولى، في حلقات الدبكة التي عقدت في أكثر من زاوية، وفي الأغاني التي صدحت تعبّر عن حنينهم وأذواقهم وموسيقاهم. تواطؤ من سندوا ظهورهم إلى ظهور بعضهم البعض ليقــولوا نحن النــاس، وإن الشارع لهم وإن البلد لهم شاء من شاء وأبى من أبى.
حدادة لشمّاس: «الوسط» لكل الناس

رأى الأمين العام لـ«الحزب الشيوعي اللبناني» خالد حدادة أن «ما يقوم به الشباب والشابات في بيروت من حراك شعبي هو الوجه الآخر للمقاومة»، مشيراً الى «أنها حركة شعبية من أجل الماء والكهرباء والنفايات وسلسلة الرتب والرواتب التي أكلتها من تسمى الهيئات الاقتصادية، ومن أجل قانون انتخابات قائم على النسبية وخارج القيد الطائفي ولبنان دائرة انتخابية واحدة».

كلام حدادة جاء في احتفال نظمه الحزب الشيوعي في برجا لمناسبة الذكرى الـ 33 لانطلاقة «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» وافتتاح شارع باسم أحد قادة المقاومة الشهيد محمود المعوش (جلال).

ورداً على قول رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس إن وسط بيروت لن يكون سوق «أبو رخوصة»، قال حدادة «إننا نسعى لتحويل وسط بيروت الى مركز حقيقي لكل الشعب، لفقراء الطريق الجديدة وبربور وزقاق البلاط وحي اللجا والأشرفية وبرج حمود، وليس مركزاً لسارقي المال العام والأملاك العامة، وبيروت ستعود مركزاً لكل اللبنانيين».

المصدر: السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …