الشيوعي اللبناني خرج من الأزمة نحو حزب فاعل ومؤثر؟
جاد صعب
الشيوعيون في لبنان… هذه الايام، «بأحلى حلاتهم»، بعد ان خرجوا بمؤتمر، اخرج من اخرج… وادخل من ادخل، وتُوّجت نتائجه، في نظرهم، بانتخاب حنا غريب الذي يمثل اجماعا لدى جمهور الشيوعيين امينا عاما للحزب، فاصيبوا بصحوة ما بعدها صحوة.. بالامس خاضوا معارك الانتخابات البلدية «وخرجوا من المولد ببعض الحمص»، واحيوا بحماسة «يوم الشهيد الشيوعي» وذكرى شهداء صريفا في الجنوب والجمالية في البقاع… الذين سقطوا في مواجهة العدوان في تموز العام 2006، وغدا سيُزخِّمون معركة اقرار قانون النسبية في الانتخابات النيابية… هل الامر مجرد نهضة بعد كبوة؟… ام انطلاقة طبيعية للخروج من الازمة؟… لكن الاهم عندهم، انهم اعادوا الروح الى حزب يرفض ان يشيخ… رغم كل حالات الحصار التي مورست عليه.
دلَّت الاشهر الاولى من خروج الشيوعيين في لبنان، من مؤتمر حزبهم الحادي عشر، على انهم رسموا خطا لانطلاقة جديدة للحزب الشيوعي اللبناني، تبث الروح في الجمهور الواسع للشيوعيين، وهو جمهور منتشر على امتداد البلد، ويتغلغل في اوساط طوائفه ومذاهبه وكل ملله السياسية والدينية للبنانيين، وان كان الشعور السائد في اوساط الاغلبية من الشيوعيين، بأنهم خرجوا من الازمة التي عصفت بالحزب الشيوعي اللبناني، على امتداد عقدين من الزمن، ازمة جعلت تموضع الحزب على هامش الحياة السياسية، الا ان البعض من الشيوعيين يرى في خطوات الانطلاقة بعض التعثر، فلا احد يغيّب حقيقة ان المؤتمر، وان اوصل قيادات شابة وفاعلة الى مركز القرار ورسم السياسة العامة للحزب بخطوات تفعيلية واعاد التجديد لانتمائه الفكري ـ العقادئدي بتبني الماركسية ـ اللينينية، لكنه بالمقابل، اخرج قيادات عاشت في حياة الحزب والشيوعيين في المراحل الاكثر حساسية، وهي مرحلة الاحتلال الاسرائيلي وتشكيل الخلايا الاولى لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، من دون ان يغيب عن بال احد ان المؤتمرين وضعوا علامة فارقة في المؤتمر، ارادوا منها اعادة الاعتبار لما يمكن تسميته «الجناح المقاوم» للحزب، من خلال التصويت بالاجماع لانتخاب احد ابرز رموز جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لمركز نائب الامين العام للحزب، الا ان هذه الخطوة بقيت ناقصة، حين اُبعدت اصوات داخل المؤتمر عن حالات مماثلة تماما، من دون وضوح المعيار الذي فرض هذا الواقع، باستثناء ما يسود عادة في المؤتمرات الحزبية من تكتلات انتخابية بين الشيوعيين، يراعي تمثيل المناطق والقطاعات المهنية في الهيئات القيادية، وهو امر طبيعي شهدته معظم المؤتمرات الحزبية السابقة.
ويُبدي قيادي في الحزب الشيوعي اللبناني، حالة من الارتياح تعم قواعد الحزب وهيئاته، للخطوات التي سلكها الشيوعيون منذ انتهاء المؤتمر في نيسان الماضي، بعد جملة من الحوافز التي اعطاها، ومنها التعامل المرن للامين العام السابق خالد حدادة وفريق من القيادة السابقة، في توفير مناخات تسهم في انجاح المؤتمر الذي اراده الشيوعيون ان يكون محطة مفصلية في تاريخ الحزب، من اجل الخروج من ازمته التنظيمية، ويقول: هناك محطات ظهرت خلال الاشهر الاخيرة، اشَّرت لتوافر الامكانية لدى الشيوعيين للنهوض بالحزب وبتفعيل دوره وموقعه في الحياة السياسية، وسط غابة من المشاريع الطوائفية والمذهبية، واحتدام المعارك التي تدور بين مصالح هذه الطائفة او تلك، ويلفت الى انه ليس دقيقا القول ان هذا «الفريق» انتصر على ذاك «الفريق»، كل «الافرقاء» هم جزء لا يتجزأ من تاريخ هذا الحزب، والحزب هو المنتصر الوحيد، ويلفت الى ان العديد من الحالات الحزبية تمت معالجتها، وان مؤشرات ايجابية سجلت من خلال عودة عشرات الكوادر الحزبية التي كانت خارج التنظيم بروحية جديدة، بعد ان ازيل الكثير من الجفاء الحزبي الذي تراكم على مر السنين، فيما لاقت دعوة امين عام الحزب للشيوعيين ممن هم خارج الاطر التنظيمية بالعودة الى صفوف الحزب، تجاوبا ملحوظا، بعد ان اصبح المناخ الحزبي ملائما لمثل هذه العودة.
وبرأي القيادي نفسه، فان اكثر من ساهم في تعزيز ازمة الحزب التي شهدناها في السنوات الماضية، تلك التكتلات والتشكيلات الحزبية التي ظهرت من خلال عدد من القياديين السابقين، والتي جاءت ترجمة لـ «فتح الشهية» التي اصابت مرجعيات سياسية واحزاباً طائفية هي من صلب الطبقة السياسية الحاكمة، وقد يبدو معظمها متمركزاً في فريق الرابع عشر من آذار، ويقول: حتى الرئيس الراحل رفيق الحريري عمل على استقطاب قياديين شيوعيين ويساريين، وهذا ليس سرا، والا ما هو تفسير ظهور اول خطوة «انشقاقية» ظهرت في صفوف الحزب، من خلال القيادي السابق الياس عطالله الذي بدأ سلوكه السياسي، وهو خارج الحزب بانشاء ما سُمّي «حركة اليسار الديموقراطي»، فكوفىء بمقعد نيابي في عاصمة الشمال طرابلس، ثم ورث المقعد القيادي السابق في الحزب امين وهبي الذي انتهى به الامر اليوم ليكون من قياديي «تيار المستقبل»، ثم جرت ولادة قيصرية لمجموعة صغيرة اطلقت على نفسها اسم «الحركة اليسارية اللبنانية» التي كانت بمثابة «حرتقة» جنبلاطية على الحزب الشيوعي، تلتها «حركة الانقاذ» التي ضمت قياديين سابقين استهوتهم تسمية «المثقفين الثوريين» وراحوا ينادون ببناء الدولة نفسها التي كانت طموح الحريري، وهؤلاء راحوا يسوقون لافكار و«نظريات» تستهدف تجربة الحزب الشيوعي وتتناغم بالكامل مع قوى الرابع عشر من آذار، ومعظم هذه التكتلات، وجدت «ريق حلو» من اخصام الحزب الشيوعي المنخرطين في السلطة، وبقي الحزب مستهدفا باستقطاب مجموعات من كوادره وعناصره، وانخرط بعض هؤلاء في تسميات مذهبية، كتسمية «الشيعة الاحرار» وتحول بعضهم فيما بعد، بنظر اصدقاء «حزب الله» الى «شيعة السفارة، الذين تُستدعى اسماؤهم حين تُجهز البيانات التي تستهدف مسيرة المقاومة، بما فيها مقاومة الشيوعيين للاحتلال، وان كانت تحت عنوان التهجم على «حزب الله».
ويتناول القيادي في الحزب الشيوعي اللبناني استغلال البعض للمعارك الانتخابية التي خاضها الشيوعيون في البلديات مؤخرا، والتسويق على انها معارك موجهة ضد «حزب الله» او «الثنائي الشيعي»، دون غيرهما، فيقول: في هذه المعارك، حاول بعض الجهات السياسية واعلامها، ان يصور، وكأن الشيوعيين هبطوا من السماء ليعلنوا المعركة على طرفي «الثنائي الشيعي»، وقد بالغ هذا الاعلام الذي غالبا ما كان يتبع لهذه الجهة او تلك من اخصام «حزب الله»، في التمترس خلف الحزب الشيوعي وتبني معاركه، وتسويقه على انه في موقع العداء لـ «حزب الله» للنيل من دوره في مقاومة الاحتلال في الجنوب… والارهاب في سوريا، وهو موقع بعيد جدا عن تاريخ الشيوعيين وقناعاتهم ومفاهيمهم. والمفارقة، يضيف القيادي، ان هذه الجهات لم تقدم نفسها في المعارك السياسية والمطلبية التي خاضها الشيوعيون، على انها حامي الحريات ومناصرة لها، بل كانت جزءاً من المنظومة السياسية الحاكمة، بل كانت مشككة بالشيوعيين… قبل ان تكون مشككة بـ«حزب الله»، وهي الجهات نفسها التي شنت حملات حادة على الشيوعيين، بمجرد ان مجموعات صغيرة منه حملت السلاح في بعض القرى البقاعية المتاخمة لجرود عرسال لحماية القرى من اي عمليات قد تقوم بها التنظيمات الارهابية التي تقاتل في سوريا، وظهرت بصورة خجولة ومتواضعة، وكاد هؤلاء يتحدثون عن «تواطؤ» (!) الحزب الشيوعي مع «حزب الله» لمواجهة الارهاب… او «ثوار» سوريا، كما يزعم البعض! وهؤلاء اغفلوا قيام تفاهمات انتخابية وتحالفات ثنائية في عدد من القرى والبلدات، في الشمال والجنوب والبقاع، مع «حزب الله» وحركة «امل» وحتى مع القوات اللبنانية واحزاب اخرى من معسكر الرابع عشر من آّذار.
(الديار اللبنانية)